حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم الرصيد الثقافي أكثر مما يخدم كاتبًا زاهدًا، كان يكتفي بالكتابة. وحتى وإن لم تتّسع خزائن أرشيفنا للمثقفين وقتها، فإنّ الأمر يبدو مفهوما بالنّظر، إلى حداثة التجربة الإعلاميّة في البلاد، فضلا عن أنّ الإعلام لم يكن يتّسع لغير السيّاسيين إلا فيما ندر. الآن وقد أتاح الانفجار التكنولوجيّ فضاءً غير محدود لجعل الثقافة الوطنيّة مرئيّة، فإن الأمر يقتضي المضيّ في هذا الاتجاه، ليس لحماية الأثر والإرث من الاختفاء أو السّطو فقط، بل لأنّ الوجه الثّقافي هو الوجه الحقيقي الذي سيبقى في نهاية المطاف، ولأنّه عنوان وجودٍ على المسرح الكوني الذي تتبارى فيه الأمم وتتناهب فضاءه، في حرب أخرى، هي على ما يبدو، قدر لا مفرّ منه. ومن هنا تبرز الحاجة إلى إعادة توجيه المقدرات نحو إنتاج محتوى ثقافي وطني، لا تقوم به وسائل الإعلام فقط، بل المؤسّسات الثقافيّة التي يجب أن تقطع مع الأساليب التقليديّة في النّشاط والاتصال، من خلال وضع واجهات الكترونيّة، تقدّم الثقافة الوطنية بأثرها وبشرها، ولا تكتفي بنشر صوّر مسؤوليها، آخذة في الحسبان طبائع التلقي الجديدة وما يفرضه العصر من شروط الإتقان وعدم الاستهانة بذكاء المُرسل إليه! إخراج المنتوج الثقافي إلى الضوء، ستكون له عائداته الماديّة والمعنويّة التي لا تقدر بثمن، وفي ذلك حياة لفنانين غير مرئيين ومنسيّين في مختلف أنحاء البلاد، لم تستفد المجموعة الوطنيّة من عبقريتهم في إدارة الفضاء العام أو في تربيّة الذائقة. وقبل ذلك، فإنّ صوت المثقّف ضروريّ في أيّ نقاش وطني، لأنّ خطابه صادق، ولأنّ نبرته النقديّة تدفع إلى الأمام، وتسمح بتصحيح الإخفاقات التي رافقت بناء الدولة الوطنيّة.