معرفة الذوق العام وقياس الرأي العام متاح تقريبا في كافة الميادين: فنية موسيقية، رياضية، سياسية .. وحدها الثقافة والمثقفون في بلدنا لا يعرفون من يحبهم ومن لا يحبهم.. لو أجرت صحيفة ما سبر آراء مثلا لاختيار عشرة أدباء محبوبين لدى الجزائريين لحضرت في أحسن الأحوال الثلاثة أو الأربعة أسماء الكلاسيكية المتعارف عليها تاريخيا : مولود فرعون ، كاتب ياسين مالك حداد، محمد ديب ، وذلك ليس عن اقتناع بفكرهم وأعمالهم الأدبية، فقارئ اليوم لا يقرأ لا قديما ولا جديدا، ولكنه سيختارهم فقط لأنهم رسخوا في الذاكرة الثقافية والوطنية، ولأن قارئ اليوم كما ذكرت مستقيل من القراءة وعاكف على تفاصيل فراغه ومشاكله ..فإن أسماء الكتاب المعاصرين هاربة عن وعيه وخارجة عن دائرة انشغالاته، ولا أتصور قارئا جزائريا أو حتى عربيا قادر على استحضار عشرة أسماء لأدباء عالميين مثل كافكا وبروست وجويس وكامو وشكسبير مثلا، ولا أظن أن أسماء كتاب من بني وطنه ستسعفه .. ومع ذلك ليت استفتاء من هذا القبيل تبادر إليه إحدى صحفنا أو وسائل إعلامنا وإن من باب الفضول وجس نبض الذائقة الثقافية والأدبية لدى جمهور اليوم .. لا أظن أن جريدة سوف تتجرأ على إجراء هكذا استفتاء لعلمها أن النتيجة سوف تكون أكثر من كارثية لأنها سوف تلقى من العناء ما لم تتوقعه جراء صعوبة عثورها على من يستحق أن تسأله هكذا سؤال، وأيضا سوف يتأكد الأدباء في بلدنا أنهم يلهثون وراء وهم، ولا يمكنهم أبدا معرفة من يحبهم ومن يكرهم ولا حتى من يعرفهم ومن لا يسمع بوجودهم أصلا .. كتابنا يكتبون لقارئ يعرفون جيدا أنه منقرض ولا حيلة لهم ولا خيار لهم إلا مواصلة الكتابة، لأن لا فعل لديهم سواها ولا مصير لديهم سواها .. يكفيهم فعل الكتابة يوقعون به وجودهم .. يكفي أنهم يكتبون .. ولا داعي لذاك السؤال الموجع ،السؤال المأزق : لمن نكتب ولم نكتب ؟