الهلال الأحمر و الخواص حفظوا ماء الوجه و "نسور" تستغل الفقراء ميز الحملة التضامنية لإطعام عابري السبيل و المحتاجين هذا العام بولاية قسنطينة، نقص في عدد مطاعم الرحمة و تأخر توزيع الإعانات، و ذلك مقابل هيمنة واضحة للخواص على العمل الخيري و وسط غياب شبه تام للهيئات العمومية، في وقت استغل بعض الانتهازيين ممن فضل البعض تسميتهم ب "النسور"، فرصة توزيع قفة رمضان لنقل ما يحمله المستفيدون بمبالغ كبيرة تقارب قيمة الإعانة التي تحصلوا عليها بشق الأنفس. و كانت جولة صغيرة قادتنا إلى أنحاء متفرقة من مدينة قسنطينة، كافية للتأكد من أن عدد مطاعم الرحمة قل مقارنة بالعام الماضي، بحيث أغلقت العديد من المطاعم التي تعود الفقراء على الإفطار فيها خاصة الواقعة منها بوسط المدينة، في حين غابت و على غير العادة اللافتات التي تعلم بأماكن الإطعام بعدما كانت و إلى غاية العام الماضي دليل المعوزين للظفر بوجبة ساخنة، مثلما لاحظناه قرب المطعم التابع للهلال الأحمر الجزائري في مقر للبريد المركزي وسط المدينة. و قد حوّل ككل سنة بعض أصحاب المطاعم الخاصة و قاعات الحفلات، مقراتهم إلى نقاط لإطعام الفقراء و المعوزين بوجبات ساخنة و مكتملة شهدنا طريقة تحضيرها بقاعة حفلات تقع بالقرب من مسجد الأمير عبد القادر، يفطر فيها أزيد من مائة شخص و عابر سيبل كل يوم، و أكد لنا صاحبها أنه كلف شابين بالبحث عن المحتاجين و إحضارهم لتناول للإفطار، في مبادرة خيرية يقول أنه لولا توسط أحد المسؤولين، لما تمكن من تحقيقها بسبب إجراءات إدارية معقدة ذكر أنها تكون وراء عزوف العديد من المحسنين عن فتح المطاعم للمعوزين. و بمنطقة الفج مثلا وجدنا مطعما خاصا ذكر لنا صحابه أنه سخره لفائدة 80 معوزا أعد قائمتهم مسبقا حسب حالاتهم الاجتماعية و بطاقات يستعملونها عند أخذ كل وجبة ساخنة، تتألف من طبقين و مشروبات و فواكه يأخذها المستفيد إلى غاية منزله، و الجميل في هذه المبادرة أن هذه الوجبة كافية لخمسة أشخاص ما يعني أن عشرات العائلات المعوزة ضمنت الإفطار طيلة الشهر الفضيل. الهلال الأحمر أنقذ معوزي الولاية بعد أزمة السميد و قد وضع تأخر استقدام مادة السميد البلديات في مأزق، حيث بدأ العديد من الفقراء يطالبون بالقفة في وقت لم تكتمل مكونات الإعانة، و هو ما دفع ببعض الفروع البلدية إلى توزيع وصولات الاستفادة لامتصاص غضب المحتاجين، و يأتي ذلك في وقت تمكن الهلال الأحمر الجزائري من تقديم القفة للمعوزين في آجالها المحددة و غير منقوصة من أية مادة غذائية، بحيث لاحظنا في جولة عبر مراكز توزيع الإعانات أن العملية تسير وفق تنظيم محكم عكس ما شاهدناه لدى مصالح البلدية، كما بدت المخازن مليئة بالسميد و الزيت و باقي المكونات ذات الجودة و التي لاقت استحسانا كبيرا بين المستفيدين. و قد خص الهلال الأحمر الجزائري الذي يعمل بالتنسيق مع البلديات و مديرية النشاط الاجتماعي، قسنطينة هذا العام، بألفي قفة كانت لعاصمة الولاية حصة الأسد فيها ب 600 إعانة تحتوي على كيس سميد بوزن 25 كيلوغراما، قارورتي زيت ذات سعة 5 لترات إضافة إلى علب من الطماطم و السكر و الحليب و كذلك الفرينة و المعجنات و الأرز و القهوة، فضلا عن فتحها خمس مطاعم رحمة ببلديات قسنطينة، عين اسمارة و عين اعبيد و بالمدينةالجديدة علي منجلي من أجل تقديم 24000 وجبة ساخنة طيلة شهر رمضان. "فرود" ينقلون الفقراء بمبالغ تضاهي ثمن القفة التي يحملونها و لاحظنا في جولة قادتنا إلى أماكن توزيع قفة رمضان أشخاصا لم تبد عليهم علامة العوز، و اكتشفنا فيما بعد أنهم ليسوا سوى سائقي سيارات "فرود" أطلق عليهم البعض اسم "النسور"، استغلوا العملية من أجل نقل حاملي القفة من الفقراء بأسعار خيالية، فبشارع "فيردان" بوسط المدينة مثلا، أقل "فرود" أربعة نسوة يحملن الإعانات بمبلغ ألف دينار، فيما وجدت أخريات أنفسهن مجبرات على الوقوف بجانب الطريق لعل أحدا من معارفهن يتمكن من نقل القفة إلى المنزل. و قد تبين أن سائقي هذه المركبات يتنقلون بين أماكن التوزيع التي يتصيدونها كل عام لنقل المعوزين بمبالغ خيالية، من جيوب مواطنين قد يضاهي ثمن "الكورسة" التي يدفعونها، قيمة المواد الغذائية التي تمكنوا من الحصول عليها بشق الأنفس و بعد إجراءات إدارية طويلة، للتمكن من قضاء شهر رمضان بما يحفظ كرامتهم و يقيهم شر الاستدانة. و ذكر مصدر مسؤول ببلدية قسنطينة، عن معوزين تحصلوا على القفة ثم قاموا ببيع مكوناتها مباشرة من أجل استغلال تلك الأموال لأغراض أخرى، حيث يفضل هؤلاء دفع ثمن الكراء و فواتير الماء و الكهرباء مقابل حرمان أنفسهم من وجبة مكتملة عند الإفطار، و هو ما يعكس العوز الشديد لفئة واسعة من المجتمع وجد أفرادها أنفسهم بين مطرقة الفقر و سندان طلب الصدقات. وبورتاج: ياسمين بوالجدري * تصوير: الشريف قليب