حسين آيت أحمد .. المرابط العنيد والديمقراطي المتسلط رغم انقطاعه عن زيارة الجزائر، و تراجع ظهوره الإعلامي والسياسي في السنوات الأخيرة، لازال حسين آيت أحمد الذي يقدم بأنه أقدم معارض في الجزائر، يحوز على تقدير كثير من الجزائريين ليس في منطقة القبائل التي ارتبط اسمه بها بل في كل التراب الوطني. ويعرف الدا الحسين ابن منطقة عين الحمام بتيزي وزو، بأنه رجل استثنائي ، صاحب تاريخ طويل من النضال و التفاني في خدمة القضية الوطنية، و الثورة والاستقلال، رغم ما لاحقه من تهم، وخصوصا البربرية، التي وصم بها منذ ما يعرف بأزمة 1949. ولد آيت أحمد في أوت 1926 من عائلة"مرابطة" و كان جده الشيخ محند الحسين مرابطا ينتمي إلى الطريقة الرحمانية. أما هو فعندما بلغ الرابعة من عمره دخل الكتاب لحفظ القرآن الكريم بمسقط رأسه، وعندما بلغ السادسة تحول إلى المدرسة الفرنسية دون أن ينقطع عن حفظ القرآن ، قبل ان يلتحق بثانوية تيزي وزو وبن عكنون (عمارة رشيد حاليا) حيث كانت تدرس نخبة من الثوار الجزائريين ، وعرف بنشاطه و التزامه ، و اختير ضمن مجموعة من شباب الحزب ، لعضوية تنظيم عسكري سري هو المنظمة السرية التي تولى قيادتها لفترة ، خلفا لقائدها محمد بلوزداد، لكنه عزل منها بعد ما يعرف بالأزمة البربرية سنة 1949، فانتقل بعد ذلك إلى مصر كممثل للوفد الخارجي لحركة الانتصار بالقاهرة سنة 1951 رفقة محمد خيضر. وشارك بصفته تلك في الندوة الأولى للأحزاب الاشتراكية الآسيوية المنعقدة في رانغون ببرمانيا في جانفي 1953، وقد دعمت الندوة الكفاح التحرري بالمغرب العربي. ثم اتجه بعد ذلك إلى باكستان والهند وإندونيسيا حيث تشكلت لجان مساندة لقضية استقلال الجزائر. وصفه أمين الخولي الكاتب المصري الذي تابع أخبار الثورة الجزائرية حين وصوله للعاصمة المصرية بأنه " جانتلمان" في إشارة إلى حسن ذوقه في اللباس و الكلام . و عرف عنه رفضه لمحاولات القيادة المصرية التحكم في الوفد الخارجي، و ضغط للخروج من القاهرة والانتقال إلى تونس. تولى تمثيل جبهة التحرير في الأممالمتحدة للدفاع عن القضية الجزائرية أمام الهيئة ، وأسس هناك في أفريل 1956 مكتبا لبعثة جبهة التحرير الوطني. بعد مؤتمر الصومام المنعقد في شهر أوت 1956، عيّن عضوا في المجلس الوطني للثورة الجزائرية. ثم كان رفقة كل من أحمد بن بلة ومحمد خيضر ومحمد بوضياف، والكاتب مصطفى الأشرف على متن الطائرة المتوجهة من العاصمة المغربية الرباط إلى تونس والذين اختطفتهم السلطات الاستعمارية الفرنسية يوم 22 أكتوبر 1956. عند الاستقلال كان حسين آيت أحمد من ضمن الفائزين بعضوية المجلس التأسيسي ولكن الخلافات حول شكل الدستور والنظام السياسي فجرت خلافات شديدة بين رفقاء الأمس، فاستقال من المجلس التأسيسي وأسس حزب جبهة القوى الاشتراكية في سبتمبر 1963 ليحمل السلاح ويدخل متخفيا إلى تيزي وزو ، لكن معارضته المسلحة فشلت في تحقيق أهدافها ، وخصوصا بعد تخلي القائد السابق للولاية الثالثة محند أولحاج عنه ، حيث التحق بقوات الجيش المنخرطة في حرب الرمال مع المغرب ، وأوقف آيت أحمد عام 1964 وحكم عليه بالإعدام، وبقي في السجن إلى غاية سنة 1966حيث تم تهريبه الى المغرب ثم الى سويسرا. وعاش في منفاه الاختياري بسويسرا، ولم يعد إلا مع الانفتاح الذي أعقب أحداث أكتوبر 1988. أمضى في الأثناء عام 1985 مع أحمد بن بلة على نداء موجه إلى الشعب الجزائري من أجل إرساء الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. عاد آيت أحمد إلى الجزائر في سنة 1989 ، وشارك بقوة في النقاش السياسي ، لكنه عاد إلى المنفى بعد أشهر من إيقاف المسار الانتخابي، و عمل بالتنسيق مع بعض أقطاب المعارضة لطرح تسويات للازمة السياسية في الجزائر، وساهم في وضع اتفاق سانت ايجيدو ، رفقة أمين عام الافالان الأسبق عبد الحميد مهري، و الرئيس الأسبق أحمد بن بلة، لكن العقد، لم يقبل من السلطة. و في سنة 1999 عاد مجددا إلى الجزائر، ودخل سباق الرئاسيات ، لكنه فضل الانسحاب من السباق، و غادر قبل إجراء الدور الأول، ومن بعدها قلص من ظهوره الإعلامي والسياسي، مكتفيا بمساهمات فكرية. أو تأييد مبادرات لتحقيق المصالحة الوطنية من واحدة أطلقها رفقة الراحل عبد الحميد مهري. تعود آخر زيارة له لجزائر الى سنة 2004 ، و ساهم في النقاش السياسي ، قبل ان يعود إلى منفاه الاختيار مفضلا التنقل بين فرنسا سويسرا و المغرب، حيث يوجد عديد من أقاربه واصهاره. حكم آيت أحمد الأفافاس بتسلط، و كسر كل محاولات المساس بسلطاته أو أبوته السياسية، و نتيجة لذلك، تخلى كثير من إطارات الحزب عنه ، بداية من سعيد سعدي في 1985 و مجموعة تيزي وزو في 1994، ثم مجموعة الثمانية في 1998، و لاحقا مجموعة طابو . ويغادر الدالحسين رئاسة الأفافاس، بعد 50 سنة من قيادته، وسط تساؤلات إن كان الحزب سيصمد ، أو ينفجر كما حدث لقوى سياسية فقدت زعيمها الملهم. والى جانب نضاله السياسي أثرى آيت أحمد المكتبة بسلسة من الأعمال السياسة والفكرية منها، مذكرات مقاتل، حياة واقفة، قضية علي مسيلي،الفاشية الإفريقية، حقوق الإنسان في ميثاق وممارسة منظمة الوحدة الإفريقية( في الأصل شهادة دكتوراه في القانون الدولي. ج ع ع