التهيئة الحضرية منعدمة و الماء يحضر ساعتين في اليوم برغم أن ميزانية بلدية الذرعان بولاية الطارف معتبرة و تبلغ قيمتها 39 مليار سنتيم سنويا إلا أن المظهر الذي يدل على إنفاق المبلغ المخصص لمشاريع التهيئة لا وجود له في شوارع و أحياء مدينة "مندوفي" سابقا مسقط رأس الكاتب العالمي ألبير كامي صاحب جائزة نوبل. الذرعان لا تزال رغم تبعيتها الإدارية لولاية الطارف تدور في فلك مدينة عنابة التي لا تبعد عنها سوى ب 24 كيلومتر، و حتى هذا الإنتماء الواقعي إلى مدينة كبيرة لم يغير من واقع الحال شيئا و معظم أبناء الذرعان يقضون يومهم في عنابة للإسترزاق و يعودون ليلا للمبيت في بلدتهم التي صارت مدينة مراقد حسب العضو بالمجلس البلدي بوشلاغم الطيب الذي تولى رئاسة المندوبية التنفيذية البلدية مطلع تسعينات القرن الماضي.يقول المتحدث أنه في تلك السنوات العجاف المملوءة رعبا و خوفا كانت أمور البلدية تسير بالتطوع و حسن النية و قوة الإرادة في استمرار الحياة، و يتذكر أنه كان في تلك السنوات المتميزة زيادة على الوضع الأمني المتدهور بالشح الكبير لمصادر التمويل يتصل بالعدد القليل من المقاولين الموجودين بإقليم بلدية الذرعان و يطلب منهم القيام بأشغال بسيطة و لكنها كانت ضرورية كتسوية الطرقات و تهيئتها أو تزويد البلدية بالماء الصالح للشرب و إصلاح الإنارة العمومية. الآن تعتبر الذرعان بلدية غنية و ذات موارد معتبرة يدرها السوق الأسبوعي المشهور في الجهة ما بين بلديات شبيطة و الشرفة و عين الباردة والبسباس بتجارة المواشي من الأبقار و الألبسة و الخضر والقواكه التي تجود بها الأرض الغنية في تلك المناطق و لكنها تفتقر إلى الأرصفة في أحيائها السكنية و إلى الإنارة العمومية في الشوارع البعيدة عن مركز البلدية و لا تكاد طرقاتها تصلح للحركة بفعل الحالة المتقدمة من الفساد التي صارت عليها.يقول الأمين العام لبلدية الذرعان الذي تحدث إلينا بحضور العضو الحالي بالمجلس رئيس المندوبية التنفيذية البلدية السابق وعضو آخر من المجلس الحالي يرأس لجنة الشؤون الإجتماعية أن مداخيل السوق الأسبوعي لبلدية الذرعان بلغت 2.7 مليار سنتيم هذه السنة و قد صار بها سوق للسيارات زاد من الإقبال على الذرعان و هي التي تحتل موقعا إستراتيجيا في الخريطة المحلية لكونها نقطة عبور في مفترق الطرق بين عدة مراكز حضرية و مدن كبرى و حتى للعبور نحو تونس. أيام الفقر كانت البلدية تسير بالتطوع و الآن حضر المال و غاب العمل المجلس البلدي الحالي المتألف من 11 عضوا يضم مختلف الألوان السياسية من الأفالان و الأفانا إلى الأرندي و حمس لكن برأي الأمين العام علاوة بوزحزح فإن المشكلة الكبرى في الذرعان هي النزوح الريفي الكبير الذي تعرضت له و الذي تزايدت حدته مع سنوات الأزمة الأمنية و بقي النازحون من مداشرهم و قراهم طلبا للأمن بعد أكثر من 10 سنوات مقيمين بمركز البلدية الذي يأوي 20 ألف ساكن و بأكبر تجمعاتها السكنية عين اعلام 17 ألف نسمة و الذي لا يبعد عن عين الباردة بولاية عنابة سوى بأربع كيلومترات.يؤكد الأمين العام لبلدية الذرعان أن برنامج عمل المجلس البلدي يدور حول محاور توفير مياه الشرب و التطهير للقضاء على الأمراض المتنقلة عن طريق المياه و تهيئة الطرقات و إصلاحها و التهيئة العمرانية بطبيعة الحال، لكن ورود هذه الأخيرة في ذيل القائمة يعني أنها ليست اولوية كالعمليات السابقة و هو ما يلاحظ من خلال غياب الارصفة في معظم أحياء المدينة غير بعيد عن الشارع الرئيسي، و كذا الإنتشار الكبير للحشائش و النباتات العشوائية وسط المساحات الخالية بين العمارات و التي هي في الأصل مساحات خضراء ترعاها عناية البلدية ، ولكنها بقيت مساحات خضراء دون عناية بفعل المناخ الرطب للبلدة و قربها من البحر و قد وجد المسؤولون في ذلك تبريرا لغياب عمليات نزع الحشائش التي يبست و نمت أغصانها من جديد قائلين أن المناخ في المنطقة لا يسمح أبدا بنزع تلك الحشائش و ذلك لنموها المستمر و السريع بفضل الرطوبة و الحرارة اللتين تميزان فصل الصيف في ضفة المتوسط.الغطاء النباتي في الوسط العمراني يصبح مصدر خطر لوجود الزواحف، و لكن القاطنين بالذرعان يركزون إهتمامهم نحو كيفية الحصول على الكمية الكافية مياه الشرب التي يتزودون بها لفترة ساعتين في اليوم و لا يكادون يستسيغون مذاقها بسبب ملوحتها. و يقول السيد بدايرة صليح رئيس لجنة الشؤون الإجتماعية بالمجلس البلدي أن حصة الذرعان من الماء الصالح للشرب من سد بوناموسة تقلصت بعد مجيئ شركة "سياتا" للمياه و التطهير لولايتي الطارف و عنابة وصار السكان يمزجون مياه السد القليلة التي تصلهم بمياه آلبارهم المالحة لإستعمالها في الشرب و الطبخ . و يضيف أن أغلب السكان صاروا يشترون المياه من أصحاب الصهاريج التي تطوف بشوارع الذرعان و تعرض مياها لا يعلم الناس من أين جاءت و هل هي صالحة للإستهلاك. و كانت البلدية في السابق تمنح بعض أصحاب الصهاريج التراخيص ببيع الماء الصالح للشرب و الذي يتم جلبه من أنقاب و آبار معروفة، و مع ذلك يخضع محتوى الصهريج للتحاليل من حين لآخر، أما الآن فصار بيع الماء فوضويا.حصة الذرعان من ماء سد بوناموسة تبلغ حجم 100 متر مكعب لكنها لا تصل في الغالب بسبب الإنقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي. و قد كان مشكل الماء في البلدية مطروحا قبل سنوات و من المفروض أنه وجد حلا بحلول سنة 2003 لكن تحديد الحصة الموجهة للذرعان من مياه السد ترك المشكلة على حالها و يرى الأمين العام للبلدية أن بداية إستغلال مياه سد ماكسة سيجعل بلدية الذرعان تتخلص بصورة كبيرة من المشكلة.بلدية الذرعان التي لا تستغل موقعها و لا شهرتها و لا مناخها لتكون بلدة متوسطية، صغيرة،هادئة و جميلة تعاني من مشاكل تراكمت بسبب الركود التنموي طيلة عشريتين من الزمن و هو الوقت الضائع من عمر "مندوفي".