المثقف الذي يعيش على فتات منح الغرب أشد أذية من الاستعمار المباشر لبلداننا قال المخرج السوري جود سعيد أنه تعرّض مرات عدة لمحاولات تسييس عن طريق الضغوط التي تعرضت لها أفلامه خاصة بفرنسا، مستطردا بأن السينما السورية اليوم تقاوم كما الوطن، لأن الأحداث أثرت سلبا على الدراما، بعد أن انفض عنها رأس المال الخليجي لأسباب سياسية، فيما اختار رأس المال الوطني الهرب بها لخارج الحدود أو الانكفاء عنها تماماً. كما تطرّق إلى مشاكل التوزيع التي قال أنها تخضع هي الأخرى لميزان السياسة وأهواء القنوات العارضة، معلقا بأن صناعة فيلم اليوم ينقل ثقافة الحياة السورية في وجه السواطير.. أثار استبعاد فيلمك "مرة أخرى" بفرنسا الكثير من التساؤلات، خاصة بعد تصريحك بأن ما يجري في سوريا وراء هذا القرار، هلا أوضحت لنا حيثيات القضية أكثر؟ و ما علاقة توقيعك على بيان سينمائيي الداخل السوري بكل ما حدث؟ - بالنسبة لاستبعاد فيلم "مرة أخرى" من تظاهرة سينمائية في مدينة مرسيليا فقد كان ذلك مزيج من الضغط والعقوبة في آن واحد، ضغط بمعنى: انظر ماذا نستطيع أن نفعل إن استمريت على مواقفك...عقوبة بمعنى: لم ترتدع؟ حسناً، سنفعلها وسنلاحقك في كل مكان كي نعيد كرّة إقصائك وهذا ما حصل. من هم؟ مجموعة منظمي التظاهرة وخلفهم سينمائيون سوريون يعيشون في الخارج. أمّا بالنسبة لبيان سينمائيي الداخل، نعم كنت من أوائل الموقعين عليه وكان ذلك في شهر أيار 2011 أي بعد شهرين من بداية الأزمة في سوريا، ولمن يعيد قراءته أن يخبرنا أين التسلط والقمع فيه؟ أما إذا كان احترامنا لأنفسنا ولبلادنا واقتراح (في حينها) خارطة طريق تجنّب البلاد بحر الدم الذي وصلت إليه، لا يتناسب ورؤاهم مما أدّى لمعاقبتنا، فنعم الجريمة والله و بئس المستقبل الذي به تبشرون. كان ردك على من رفضوا مشاركة فيلمك بتظاهرتهم كالتالي"... سيدي الديمقراطي جداً، سأبقى أقول رأيي بحرية وبلا حرج، سأبقى أصنع فيلمي كما أراه من دون أن أفكر فيك وستأتي لمشاهدته فأنت تعيش على ما أصنع. سيدي «داعم السينما العربية التي تروق ديمقراطيتك» ما أصنع من سينما ينبت بين نعم ولا، هما ما يكونني، فنعم لما أنا ونعم لموقفي ونعم لبلادي ونعم لحريتي ونعم لمقاومتي، ولا لوهم ديمقراطيتك. و أنا أنا و ابن أبي..." نفهم من هذا أنك لا تؤمن بحياد و صدق دعاة الحرية و الديمقراطية... و غيرها من الشعارات التي يتغنى بها عموما بالغرب؟ -لا أؤمن أن حكومة غربية (أيّاً كانت) ستبحث يوماً عن مصلحتي قبل مصلحتها، أو أنها تريد لي الرفاه والتقدم محبّة وستبذل ما في وسعها لأجل ذلك لأنها "صديقة" ومجاناً!!! الديمقراطيات الغربية تتحرك ضمن دائرة مصالحها من أجل زيادة مكاسبها في السياسة العالمية، هذه المكاسب التي تنعكس إيجابا على اقتصادها. أما ما عدا ذلك فهو مكياج لتجميل وجه القباحة، الغرب عموماً غير صادق "كمنظومة وليس كأفراد" في ادعائه العمل على مساعدتنا في إرساء الديمقراطية لا بل هو مصّر على ذلك!حسناً، أين كنتم طوال عقود من الديكتاتوريات!!! أين رأيكم بالملكيات الفرديّة والأنظمة الأوليغارشية!!!! أم أن شعوب هذه الأنظمة لا يحتاجون للحريات!!! لماذا تدعمون اليوم الديمقراطية التي تناسب قياس الإسلام السياسي؟!! الغرب يبحث فقط عن مصالحه لأجل تقدّمه هو وفقط. طرحت "إشكالية المثقف العربي والعلاقة بالغرب"فكيف ترى هذه العلاقة و إلى أي مدى ترى تأثير الغرب في المثقف العربي و هل تعرضت أو عشت تجربة محاولة توجيه أو تسييس من قبل الغربيين؟ -هي علاقة مركّبة، وتعتمد على طبيعة شخص المثقف أو الفنان ورضوخه للمنظومة الغربية بالكامل أو اعتباره لها كباب للمعرفة. ففي الحالة الثانية نحن أمام علاقة معرفيَة إيجابية، فكثير من المثقفين العرب أتمّوا تحصيلهم العلمي في الغرب، و لذلك دور ، ولازال، في نقل المعارف الجديدة إلى مجتمعاتنا وتكريسها بما يطّور آلياتنا في المجالات التي يختصّ بها حامل هذه المعرفة، هذا النوع من المثقف هو ما نحتاجه من أجل نهضة معرفية، عالمنا العربيّ بأمسّ الحاجة لها. أما المثقف الذي يعيش على فتات منح وأعطيات الغرب فهو لن يكون إلا تابعاً للمنظومة الرسميّة الغربية وهذا النوع أشد أذية من الاستعمار المباشر لبلداننا فهو من أولئك الذين يشربون كأس النبيذ في شوارع أوروبا وينظّر على من يموتون في أصول البحث عن الحريّة. بالنسبة لي، فلقد تعرضت طبعا لمحاولات تسيس عدَة غير مباشرة عن طريق الضغوط التي تعرضت لها أفلامي ولكن لا أرى نفسي إلا ندّاً في المعرفة وهم في نهاية الأمر لا يحترمون إلا ندّهم. ما رأيك في الثورات العربية؟ -إن كل حراك تم في بلد عربي كانت له خصوصيته، وليس كل حراك ثورة. و الربيع العربي عموماً لم يجلب حتى اللحظة إلا الراحة لإسرائيل التي تحوّلت من عدو إلى حكم في المنطقة!!!أستثني الحالة التونسية وذلك لوجود شارع قوي نقابي يقود حراكاً عمالياً مطلبياً مستمر اليوم في وجه إسلام سياسي يشكل برأيي أسوأ أنواع الديكتاتورية بلبوس ديمقراطي، هكذا أفهم انتفاضات الشعوب، انتفاضات لتحسين واقع العيش أولاً ومن ثم نفكر بالمطالب الأخرى من حرية تعبير وغيرها، علينا أولاً أن نحرر حقوق الناس الأساسية.أما ثورات الشعارات والساحات واللافتات والجوامع وأيام الجمعة فتسألوا عنها الجزيرة وأخواتها. وأختم هذا السؤال فيما يخص بلدي: الثورات التي تهدم اقتصاد أوطانها وتسرق تاريخها هي ثورات على أوطانها. كيف تقرأ واقع السينما السورية اليوم وسط كل هذه الأحداث و إلى أي حد تأثرت بما يجري و هل ستضطرك الظروف لتصوير أعمالك خارج سوريا؟ - السينما السورية اليوم تقاوم كما الوطن، وأتحدث عمّا يصنع في داخل سوريا بغض النظر عن الاتجاه السياسي لصانع الفيلم..تقاوم بمعنى أنها مستمرة في الإنتاج لتقول، نحن هنا لا نموت ولو قتلتمونا نعود لنحيا ونقول كلمتنا. لقد ارتفع الإنتاج في السنتين الأخيرتين إلى حوالى خمس أفلام في العام، وبالنسبة للظرف الأمني فنحن نجد دوماً الحلول للبقاء فليس صعباً أن نجد الحلول لنصوّر، فصناعة فيلم اليوم هي ثقافة الحياة السورية في وجه السواطير...و لن أصور خارج سوريا إلا إذا كان في الفيلم مشاهد خارج سوريا. حدثني عن "صديقي الأخير" و الهلع الذي تسبب فيه مشهد تفجير الألعاب النارية بمنطقة اللاذقية. - ما حدث في اللاذقية أثناء تصوير صديقي الأخير هو أننا صورنا مشهداً ضخماً للألعاب الناريّة في فترة كانت المدينة تعاني فيها من تفجيرات عدة، ورغم أننا نوّهنا عبر وسائل الإعلام إلا أن ذلك لم يشفع لنا، وتعرضنا لشتم ''محبّ" من الأهالي بسبب الرعب الذي حصل. سنصالحهم يوم عرض الفيلم، وأظن أن مدينتي تغفر لي من أجل السينما. تعد من أصغر المخرجين في سوريا و مع هذا نجحت في فرض اسمك في الساحة العربية و افتكاك عدة جوائز مهمة فكيف تقيّم تجربتك الفنية؟ و إلى ما يطمح جود سعيد؟ - لست المخوّل لتقييم ما أصنع، فهذا متروك للجمهور وللنقد ولتاريخ السينما في بلدي لاحقاً. أما عن نقدي لذاتي فهذا دائم ومستمر بمعنى أني أسائل تجربتي دوماً وأبحث فيما مضى منها لأصوّب ما سيأتي...و هنا طموحي، أن أصنع سينما تمسّ أولئك التي تتحدث عنهم أي أهل بلدي أولاً وكل من يتفاعلون معها إنسانيا. ماذا عن مشاريعك الجديدة؟ - أحضّر حالياً فيلماً بعنوان "بانتظار الخريف". * هل ستشكل الأحداث السياسية التي تجري حاليا على الساحة العربية عامة والسورية خاصة عاملا سلبيا على الدراما السورية في رأيك؟ - شكلت هذه الأحداث عاملا سلبيا على الدراما، فرأس المال الخليجي انفض عنها لأسباب سياسية وبعض رأس المال الوطني هرب بها لخارج الحدود أو انكفأ عنها تماماً. و هي تعاني أيضا من مشاكل التوزيع فما يصنع في سوريا اليوم يخضع لميزان السياسة وأهواء القنوات العارضة، بالتالي الدراما الوطنية اليوم هي تحت الحصار كما وكل المنجز الوطني السوري. الأحداث العربية تدفع بالفنانين إلى نطاق العراك السياسي، أين يتم تصنيفهم على لائحة إما الشرف أو العار، فكيف تنظر كسينمائي إلى ذلك؟؟ - كيف ستبنى "الديمقراطية" إذا كنا نصنف الناس وليس فقط الفنانين على قوائم إقصاء؟!! لا بل ونغتالهم أيضاً...من هنا نفهم أيضا كم هو بعيد هذا الربيع عن الحريّة الحقّة. للأسف الشديد هناك الكثير من الفنانين شاركوا في هذه اللعبة القذرة التي سرعان ما سترتد عليهم، إن إقصاء الآخر المخالف في الرأي هو إقصاء للذات، لا نستطيع لعب الشطرنج بحجارة من لون واحد. تكتب يوميا خواطر مؤثرة عبر صفحتك على الفايس بوك فهل لجود مشروع أدبي ؟ - أكتب همّي ووجعي وأحبّ عروبتي في اللغة...هل أنا كاتب لا أعرف، لكني أشارك دوما (على الأقل) في سيناريوهات أفلامي.