فرحات عباس والشيخ لعريبي وعزالدين ميهوبي و عبد الكريم سرار من أشهر زبائني يعتبر عمي بلقاسم بوصبع الحلاق من أقدم و أكثر الحرفيين شهرة بمدينة سطيف فقد عايش العديد من الأجيال طيلة 51 عاما من عمره المهني و تمكن من تقديم خدماته لشخصيات شهيرة و معروفة في مجال السياسة و الثقافة و الرياضة مثل فرحات عباس و الشيخ لعريبي و عز الدين ميهوبي و عبد الحكيم سرار وغيرهم . حتى بعد تحوله من محله الأول بحي الريفالي بوسط مدينة سطيف إلى المحل الحالي بحي دلاس بقي يستقطب المتعودين و المترددين على المحل السابق الذين يقطعون في كل مرة مسافة أكبر و أطول من أجل الظفر بمكان داخل محل عمي بلقاسم فقد تعودوا على الحديث معه في شتى المجالات بطريقته الخاصة جدا فهو جد حريص على جعل الزبون يشعر بالراحة و الثقة . التقت النصر بالحلاق ففتح قلبه للقراء و سلط الضوء على حرفته الفنية ومتاعبها و ما منحته من خبرة و علاقات اجتماعية واسعة. استهل عمي بلقاسم حديثه قائلا:"بدأت ممارسة هذه الحرفة في سن مبكرة جدا أعتقد في سن ال14 و لكل شيء سبب مثل كل أشياء الحياة. في الحقيقة لم أكن مولعا بالدراسة و لم أصل إلى المستوى المطلوب فغادرت مقاعد و أسوار المدرسة مبكرا .هذا لا يمنع من أنني قارئ جيد الآن خاصة للجرائد اليومية. إن الظروف الصعبة التي كنت أعيشها على غرار الكثير من الجزائريين في الستينات و السبعينات من بطالة وفقر و غيرهما دفعتني لتعلم حرفة فقصدت محل الشيخ الجمعي بلوط حيث تعلمت القواعد الأساسية للحلاقة في بداياتي . و هناك مارست الحرفة لمدة تفوق العشرين سنة دون غياب يذكر و لأن المحل يقع في وسط مدينة سطيف كان من الطبيعي أن أتعرف على عامة و خاصة الناس فتوطدت علاقاتي بهم على مر السنين." و سألته عن سر رغبة الجميع في الحلق عند عمي بلقاسم و انتظار دورهم لساعات طويلة فرد بأنه يتعامل لدى قيامه بعملية الحلاقة مع الإنسان و ليس الشعر و الرأس فالحديث مع الزبون يكون عادة مفيدا، و ليس هناك مجال للتعرض لأعراض الناس و كل الكلام المتداول في الأماكن العمومية و المحلات الأخرى. كما أكد بأنه يجيد التعامل مع مختلف شرائح المجتمع و فئاته العمرية حيث يتعامل مع كل شخص حسب خصائصه و طبعه. فبعد أن يسمع جملتين أو ثلاث من الزبون الجديد يفهمه و يحدد احتياجاته و يضمن ضمه إلى قائمة زبائنه الأوفياء . و سألناه: "يقولون إنك كنت حلاق رئيس الحكومة المؤقتة السيد فرحات عباس حدثنا عن ذلك ..." أجاب أقدم حلاق بسطيف :"نعم هذه حقيقة، لكن الأمر عادي بالنسبة لي طبعا بعد تجاوز دهشة أول مرة عندما أمرني الشيخ الجمعي بلوط بالذهاب لإقامة رئيس الحكومة المؤقتة السيد فرحات عباس بمدينة سطيف التي هو ابنها قبل كل شيء. كان عمري 17 سنة، إلا أنني كنت متمكنا جدا من الحرفة فقمت بواجبي على أحسن وجه .كان شرف عظيم وكبير لي خاصة و أن فرحات عباس بغض النظر عن كونه رئيس الحكومة المؤقتة، فهو من قادة الثورة التحريرية التي كانت لا تزال نيرانها متأججة في قلوبنا مما جعل ذلك اليوم متميزا و كبيرا في مساري المهني." "من أيضا من مشاهير المدينة الذين كانوا يترددون على محلك ؟ "سألناه؟. توغل محدثنا بذاكرته أكثر إلى الماضي و أوضح: "كثيرون لكن في الحقيقة الشهرة لها مفهومها الخاص و أنا أتعامل مع كل الأشخاص مهما كان مستواهم بنفس الذهنية و لا يمكنني أن أنقص أو أضيف شيئا آخر للحلاقة مهما كان صاحب الرأس الذي أتعامل معه،غير أنه يفرحني و يسعدني أن أرى مبدعا و كاتبا ووزيرا سابقا مثل عزالدين ميهوبي يدخل المحل للحلاقة و أيضا قبله الشيخ لعريبي الذي لا يسلم رأسه لأحد غيري و بمجرد دخول الشيخ للمحل يمتلئ المحل بالمناصرين الذين لا يكفون عن طرح الأسئلة خاصة في فترة إشرافه على فريق وفاق سطيف . وهو ما جعل تقريبا كل لاعبي الفريق عبر كل الأجيال يقصدون محلي لذات الغرض مثل سرار ،زرقان وغيرهما. علما بأنني أيضا حلاق الرئيس الحالي للوفاق السيد حمار. عن أكثر الحكايات طرافة في مسار 51 عاما كحلاق.قال عمي بلقاسم : "كان الشيخ لعريبي رحمه الله قبل مقابلة مصيرية للوفاق بملعب قصاب قد فرض على لاعبي الوفاق الالتزام بالراحة و عدم الخروج، مهما كان السبب فتجنبوا الجلوس في المقاهي و غيرها من الأماكن العمومية تفاديا للحديث مع الأنصار و تخفيفا للضغط المفروض عليهم قبل مقابلة مصيرية، وحدث أن قصد اللاعب الكبير للوفاق صالحي العياشي و فلاحي محلي وفجأة توقفت سيارة المرحوم لعريبي فما كان عليهما سوى البقاء محتجزين ثلاث ساعات كاملة خلف الستار حتى لا يراهم و لم يخرجوا حتى ذهب المرحوم ." و يرى محدثنا بأن القيمة الإجتماعية للحلاق و الحلاقة تغيرا عما كانا عليه في العشريات الماضية و ذلك كما قال لأن أمورا كثيرة تغيرت حاليا بوجود كل الوسائل الحديثة و أيضا بتغير الأجيال و الذهنيات التي تتعامل مع ممارسة فعل الحلاقة. و أضاف :"أعتقد أن الحلاقة مثل كل الأشياء الأخرى في أيامنا دخلت دائرة الحسابات و الفائدة و الحلاق الآن يعد الرؤوس أكثر من أي شيء آخر و لهذا فإن الأمور لم تعد كما كانت عليه في السابق". عبد الوهاب تمهاشت