من بين أهم الحرف التي يمتهنها الكثير من شبابنا الحلاقة ولا يكاد حي من أحياء مدننا وقرانا لا يحتوي على محل للحلاقة ورغم كثرة العاملين والمنتسبين إلى هذه الحرفة إلا أن رواد محلات الحلاقة لا يغيرون من يحلقون لهم رؤوسهم إلا نادرا وهناك علاقة حميمية بين الزبائن ومن يقوم بتسريحة وتجميل شعورهم تمتد إلى سنوات وحتى إلى عقود. هل هو الوفاء في زمن الاغراء؟ أم هي المحافظة على الشكل والمظهر المعتاد وهو جزء خفي من شخصية الواحد منا. الشاب مصطفى بن أحمد حلاق من طراز خاص يعرفه سكان حي سي رضوان (لالوفة سابقا) بكونه رياضي ولاعب متميز في كرة القدم صاحب محل الحلاقة وله زبائن من مختلف مناطق الباهية وحتى من الأجانب من الأتراك والأفارقة وحتى السوريين والصينيين تواصلنا معه لمعرفة سر إنجذاب الزبائن إليه وتفضيله عن الآخرين من الحلاقيين فأكد لنا بأن كل زبون يجد راحته عند حلاقة وأن الحلاقة موهبة أولا وفن يصعب ممارسته وليست هي فقط حركات نقص الشعر أو تسريحه والحلاق الماهر هو من يعطي إضافة إيجابية لزبونه من خلال تصميم تسريحة تطابق معالم وجهه ولون بشرته وكثيرا ما تناقش مع الوافدين إليه عن ضرورة تغيير طلباتهم وإقتراح تسريحاته وكثيرا ما أعجب هولاء بابتكاراته وتسريحاته المتميزة. يعمل مصطفى بن أحمد ابن خالته نور الدين المدعو - نونو- منذ أكثر من 15 سنة ونونو بدوره كان قد تعلم على يد إبن خالته وهو الآن حلاق ماهر وعن تلك الحكاية الخاصة بالحلاقين والمتعلقة بالملاحظة التي يقف عليها كل زبون أووافد على الحلاقين والمتعلقة بكون هؤلاء لايغادرون محلاتهم لكنهم على علم بكل ما يجري من حولهم وعندهم كل الأخبار وبأدق التفاصيل عن كل ما يحدث في مدينتهم وبلادهم؟ كيف لهم أن يعلموا وينقلوا الأخبار وهم سجناء محلاتهم لايغادرونها إلا للأكل أو النوم ولا وقت لهم لمخالطة الناس يحكم إرتباطهم بالعمل كل مدار ساعات اليوم محدثنا أخبرنا بأن السر في ذلك يكمن في أن الأخبار تأتي إليهم في مكان عملهم وأنهم لايبحثون عن معرفة ذلك ولكن الزبائن هم من يأتيهم الحديث لحظة حلاقتنا لهم ويتكلمون في شتى المواضيع ومن هنا تتكون عند الحلاق جملة من الأخبار ولما يعيدها على الآخرين ينبهر من يستمع له ويطرح نفس التساؤل من أين له بذلك؟ وعن حقيقة مفادها أن بعض الحلاقين من »النسناسين« أكد لنا بأنها الظاهرة موجودة وأن الفراغ القاتل والعزلة عن العالم الخارجي بحكم العمل المستمر تجعل بعضهم يبحث عن معرفة ماحوله ويزداد فضوله إلى حد لايطاق، وهناك من غير الحلاقين من ينقلون الأخبار ومرضى بالحديث والكلام وأن صديق نونو وهو نجار لايتوقف عن الثرثرة وسعيد معروف بالحي باهتمامه بكل الأخبار وإمتلاكه لكل المعلومات تجعلك لاتصدق بأنه أسير آلاته وأخشابه ولا يخرج من ورشته طوال اليوم أما عن تعامله مع الزبائن فيؤكد لنا محدثنا بأن الشباب الآن أصبح أكثر طلبا ولا يضر بالحلاقة التقليدية أو العادية بسبب تأثره بالفضائيات والأنترنت وأنه يتفهم ذلك وعلى الحلاقين معرفة كيفية التعامل مع جيل الفايسبوك وإلا فإنه يفقد زبائنه وحتى الأطفال لم يعودوا مثلنا في السابق كنا نحلق رؤوسنا في المناسبات والأعياد واليوم هناك من يأتي كل يومين للحلاقة وتسريحة شعره ولا يهمه الأمر مادام الوالد يدفع ثمن ذلك. الشاب مصطفى بن أحمد يحضر لاقامة حفل زفافه العطلة المدرسية المقبلة ويعترف بأن تأخر نوعا ما في تلبية رغبة والده وأمه وجدّته رحمها الله وأن الزواج في العقد الرابع سيكون ناجحا حسبه لأن الاتزان العقلي والعاطفي قد بلغ ذروته. أما عن الحلاقة فهي معشوقته الأولى ولا يستطيع الإبتعاد عنها ولا يرى نفسه يعمل في مهنة أو وظيفة أخرى غيرها ولا يعرف سر تعلقه بها.