هل هي مقصّرة عاجزة أم ضحية ثقافة رفض كل ما يأتي من الدولة؟ في عهد التعددية الإعلامية والسياسية تحمّل الصحافة العمومية ما لا طاقة لها به من التهم.. بعضها يمكن قبوله والبعض الآخر يبدو مغاليا ومبالغ فيه..فهي بعدما كانت الوحيدة على ملعب الكلمة قبل سنة 1990 أصبحت اليوم تنعت بصحافة النظام، ومرادفا للغة الخشب و"للرأي والرأي المطابق" .. لا أثر فيها للنقد ولا وجود للحقيقة والمهنية على صفحاتها يقول البعض ..لكن هل هذه الصورة حقيقية عن الصحافة العمومية؟ أم أن في هذه الصحافة من يبدل جهودا يجب على الجميع الاعتراف بها والالتفات إليها؟ كما يجب عدم وضع الجميع في سلة واحدة. لكن على العموم أصبحت للصحافة العمومية مند بداية التسعينات صورة نمطية موحدة في مخيال الكثير من القراء وحتى في مخيال زملاء المهنة تتلخص في أنها صحافة النظام ..صحافة لا تنتقد ولا تباع ولا تقرأ..ونسي البعض أن هناك عوامل موضوعية ربما ساهمت في تقهقر الصحافة العمومية أمام الصحافة الخاصة بعض الشيء على الأقل في وقت ما .. منها على سبيل المثال أن الصحافة العمومية أهملت إهمالا كبيرا وتركت لحالها بعد اعتماد التعددية الإعلامية بداية من سنة 1991 ولسنوات عديدة.. كما أنها استنزفت من طرف الصحافة الخاصة إذ أن اغلب مديري الصحف الخاصة وإطاراتها خرجوا من صلب الصحافة العمومية. ورغم ذلك يقول كثيرون أن للصحافة العمومية اليوم من الوسائل ما يجعلها قادرة على رفع التحدي من جديد والقفز إلى الريادة على غرار ما هو موجود في الكثير من البلدان التي نجد فيها الصحافة الحكومية في المقدمة ومرجعا للجميع..فهل تنقص المهنية والاحتراف صحافتنا العمومية أم أن التسيير هو الذي ينقصها؟ أم أن الوصاية هي التي تريدها على هذه الشاكلة؟. مديرو صحف عمومية يرفضون جملة وتفصيلا القول أن هذه الأخيرة لا تباع ولا تقدم أخبارا ولا تقرأ كما يدعي البعض، ويوضحّون أن المنافسين من القطاع الخاص هم من يروجون لذلك في إطار منطق التنافس، لكن الحقيقة شيء آخر لأنه لا توجد مؤسسات ذات مصداقية خاصة بسبر الآراء في بلادنا يمكن الوثوق في ما تقوله ويعتبرون أن مشكل الصحافة العمومية اليوم هو التوزيع وتحديد مهمتها بالضبط، "النصر" استطلعت أراء مسؤولين على صحف عمومية حول التهم التي تلاحقها والتي تتلخص في أنها صحافة السلطان ..صحافة غير مقروءة وبعيدة عن المهنية وعن تقديم الحقيقة والانتقاد، فكانت الاجابات التالية: نعمة عباس مديرة نشر جريدة "المجاهد" من يدعي أن الصحافة العمومية غير مقروءة عليه تقديم الدلائل من يدعي أن الصحافة العمومية لا تقدم أخبارا ولا تباع ولا تقرأ عليه تقديم الدلائل الملموسة..هم في الحقيقة زملاء يتكلمون من منطق تنافسي، لكن هل تعني الصحافة القذف والسب والشتم كل يوم؟ والاطلاع على ما يؤلم القلب كل صباح؟ هل هذه هي مهمة الصحافة؟ لقد تعلمنا في الجامعة أن مهمة الصحافة نقل الأخبار وتقديمها للمواطن. صحيح أن مهمة الصحافة العمومية تختلف عن مهمة الصحافة الخاصة لكن هناك بعض الزملاء يرفضون الحديث عن كل ما هو تغطية مؤسساتية باسم حرية الصحافة؟ لكن حرية الصحافة ليست كذلك..نحن نعمل على نقل الحقيقة كما هي سواء أكانت حلوة أو مرة. بالنسبة للنقائص كل صحافتنا عمومية أو خاصة لها نقائص لذلك لابد أن نتوقف عن التركيز فقط على العمومية منها..أكيد أن للصحافة العمومية نقائص.. فنحن بحاجة إلى المزيد من التطور والتحسن دائما..بحاجة للتكيف مع تكنولوجيات الإعلام والاتصال الحديثة والجديدة و على صحفيينا أن يتقنوها، وكذلك الأمر بالنسبة للتكوين.. لقد قمنا في المدة الأخيرة بخطوة ايجابية تتمثل في رفع رواتب الصحفيين وهو شيء جيد. إذن علينا اليوم أن نضع الأشياء في مكانها الطبيعي أنا لا اعتقد أن مهمة الصحافة هي الانتقاد والنقد فقط، الصحافة هي اخذ المعلومة وإيصالها للقارئ وهو من يختار في الأخير، لو لم تكن الصحافة العمومية جيدة وايجابية لما كان اغلب مديري الصحافة الخاصة قد خرجوا من صلبها..أنا شخصيا فخورة بالانتماء للقطاع العام وأدافع عنه وسأبقى أدافع عنه ولست بحاجة إلى دروس من المنافسين. اعتقد أن الصحافة العمومية بحاجة إلى بعض التحسينات، لكن لها مكانتها في المشهد الإعلامي الوطني ومن يعتقد عكس ذلك فهو على خطأ، أما بالنسبة لموضوع الحرية فأنا اتمتع بحرية في الصحافة العمومية بل لدي هامش اكبر من البعض في الصحافة الخاصة لأن الوقوع تحت سلطة المال والسياسة خطير جدا بالنسبة للصحافة. أمينة دباش مديرة نشر جريدة "الشعب": أكبر مشكلة تواجه الصحافة العمومية هي التوزيع وهناك ثقافة رفض كل ما يأتي من الدولة الصحافة العمومية التي يكثر الحديث عنها أدت واجبها على مر السنين وواكبت كل المراحل التي مرت بها البلاد..لكن نلاحظ أن بعض الأصابع تمتد إليها رغم أننا مثلا في الصحافة المكتوبة لا نتعدى ست جرائد من أصل 145 عنوان وهذا عدد قليل جدا. حقيقة هناك نقائص في الاعتناء بالصحافة العمومية كما ينبغي من طرف الجميع لكن المشكل الكبير الذي تعاني منه الصحافة العمومية هو مشكل التوزيع، نحن نريد أن تصل صحفنا إلى جميع أرجاء الوطن في الشرق والغرب والشمال والجنوب لكنها لا تصل حتى إلى بعض الولايات الداخلية القريبة، الجميع يدرك مسألة التوزيع وتعقيداتها، الدولة من خلال مؤسسة كانت قائمة في وقت سابق لم تستطع التغلب عليه فماذا تفعل الجرائد لوحدها إذن؟ لابد أن يكون تكاثف بين الصحف والسلطات العمومية للتغلب على هذه الإشكالية. البعض يعيب علينا عدم الانفتاح بالنسبة للخط الافتتاحي هذا الأمر فيه ما يقال، نحن نرى مثلا صحف خاصة وصلت بخطها الافتتاحي إلى درجة سب الرموز الوطنية ورموز الدولة من أعلى إلى أسفل، وقد رأينا أيضا رسومات كاريكاتورية تهين العلم الوطني هل هذا هو الانفتاح؟. مهما قلنا لابد أن لا نغفل حقيقة وهي أن الصحف العمومية لصيقة بالدولة والنظام والحكومة وهناك ثقافة انتشرت بقوة هي عدم قبول وكره كل ما يأتي من الدولة، لكن اعتقد انه مع مرور الوقت اكتشف القراء أن بعض الصحف التي تقدم عناوين مثيرة على صدر صفحاتها الأولى لا تعطي أي تفاصيل بعد ذلك في الداخل، وفي اغلب الأحيان تنشر أخبارا تأتي من ورائها تكذيبات هل هذا هو الخط الافتتاحي؟ صحيح يجب الاعتراف بنقائصنا مثل نقص الإخبار الجوارية لكن لا ينبغي أن نركز فقط على الإثارة التي نجحت فيها ربما بعض الصحف الخاصة التي تستطيع نشر ما تريد لكن نحن في الصحف العمومية لا يمكننا نشر أي خبر، نحن ننشر الأخبار كما هي وفقط، نحن مع حرية التعبير والتنوع والمنافسة لكن لا نقبل حرية الصحافة التي تدمر البلاد. إلياس جرعود مدير تحرير جريدة "أوريزون" يجب إعادة هيكلة الصحف العمومية وتحديد مهمتها بدقة نحن أيضا لا نعرف ما يباع من الصحافة الخاصة في غياب مؤسسات مختصة في سبر الآراء أولا لابد أن ننطلق من قاعدة وهي انه لا توجد صحافة تنتقد وأخرى لا تنتقد، هناك صحافة تقدم أخبارا ومعلومات، أنا شخصيا لست من أنصار صحافة السب والشتم، نحن نقدم أخبارا متزنة كما هي، أما للرد على من يدعون أن الصحافة العمومية لا تقرأ ولا تباع فأقول لا توجد عندنا مؤسسات مختصة في سبر الآراء يمكن الوثوق في ما تقوم به وما تقدمه من أرقام حول هذه القضية، أنا لا اتفق مع من يقول أن الصحافة العمومية لا تقرأ ولا تباع ، لأني لا اعرف بالضبط ما يباع من الصحافة الخاصة وما الحجم الحقيقي لمقروئيتها وما يرتجع منها، كل ما نسمعه عن هذه المسألة مجرد كلام. بالنسبة للصحافة العمومية لابد أن لا ننسى انه بداية من سنة 1991 تاريخ انطلاق التعددية الإعلامية تركت الصحافة العمومية لحالها وأهملت وهي لذلك تعاني اليوم برأيي من ثلاثة مشاكل رئيسة ولابد لها من ثلاثة حلول هي إعادة هيكلتها وتحديد دورها ومهمتها بدقة، وثانيا التكوين لأن هناك عجز في هذا الميدان وأخيرا لابد من إيجاد حل حقيقي لمشكل التوزيع، فضلا عن أن الصحافة العمومية وجدت نفسها أيضا ضحية لثقافة انتشرت مند سنة 1991 هي رفض كل ما يأتي من الدولة ومؤسساتها واعتباره غير صالح. وأعتقد أن الصحافة المستقلة "بدعة" و"هرطقة" لأنه بالنسبة للصحافة الخاصة أصحاب الأموال هم من يفرضون الخط الافتتاحي، وفي الصحافة العمومية يحدد هذا الخط من طبيعة النظام الجمهوري ومؤسسات الدولة، انطلاقا من هذا لا اعتقد بوجود صحافة تنتقد وأخرى لا تنتقد بل توجد صحافة تقدم معلومات وأخبارا للقارئ، وبعدها لكل واحد خطه وتصوره حول طريقة تقديمها، لكن أنا لا أومن بصحافة الفضائح، ثم هل نحن هنا للانتقاد أم للإعلام؟ نحن لسنا أحزابا سياسية نحن جرائد تقدم معلومات وأخبار. جمعها محمد عدنان