سأقدم أطباقا قسنطينية في برامجي الباريسية تألقت في برامج الطبخ عبر القنوات الفرنسية طيلة 45 سنة، و تمكنت من منافسة أشهر الطباخين الفرنسيين و هي القادمة من إحدى المستعمرات الفرنسية بجزر الأنتيل، حاملة معها أسرار فن الطبخ الكرييولي الذي صنع تميّزها و شهرتها العالمية، إنها الشيف إيليزابيت هيلدبيرغ المعروفة ببابيت دي روزيير التي التقت بها النصر بفندق نوفوتال بقسنطينة أين كانت تتابع بدقة المحترف كل الترتيبات التي سبقت لقاءها برواد و هواة الطبخ بمدينة الصخر العتيق، و سجلت معها هذا الحوار: حاورتها مريم بحشاشي -النصر : ما سر زيارتك لقسنطينة؟ -إليزابيث هيلدبيرغ: عندما تلقيت مكالمة من المشرف على تظاهرة للطبخ بقسنطينة ، يدعوني من خلالها للمشاركة، لم أترّدد في تلبية الدعوة لأنني أحب تبادل الخبرات بين البلدان و بشكل خاص عندما يتعلّق الأمر بالبلدان العربية و الشرق عموما. فكرة إحضار شيف يجيد الطبخ الفرنسي، بالإضافة إلى تخصصه في طبخات قادمة من وراء البحر لتبادل الخبرات مع طباخين من الجزائر راقتني فلبيت الدعوة دون ترّدد. لأول مرة أزور فيها الجزائر و قسنطينة و صدقوني لن تكون الأخيرة ،فأنا تفاجأت و أعجبت بلباقة و حسن سلوك و تواضع و طيبة الجزائريين، لقد زرت الكثير من الدول العربية سواء بالخليج كدبي و أبو ظبي أو بالمغرب العربي كالمغرب و تونس، لكنني لم أشعر بالراحة التي وجدتها بالجزائر. كما أنني أرغب في اكتشاف المزيد من المناطق و الأشياء التي تتعلّق بالطبخ بقسنطينة. -ماذا تعرف بابيت عن الطبخ الجزائري و ما هو أول طبق تذوقته بقسنطينة ؟ - أعشق الكسكسى، و قد تناولت في اليوم الأول من وصولي إلى قسنطينة و بنهم كبير وصفة جديدة للكسكسى لم أتذوقها من قبل، قيل لي أنها من الحنطة السوداء، وحال أعيد تحضيرها حال عودتي إلى البيت، لقد تعلّمت كيفية وكل خطوات إعدادها، كما سأقدمها في العدد القادم ضمن إحدى برامجي على التلفزيون.. كما تناولت أطباقا متميّزة و رأيت الكثير من العجائن الخاصة بالمدينة و شعرت برغبة شديدة في ارتداء مئزري و دخول المطبخ لتحضيرها(تضحك). -ما الذي شجعك على اقتحام عالم فن الطبخ و ما سر شهرتك في مجال طالما أنصف الرجال أكثر من النساء؟ -بدأت كمنشطة بمؤسسة الإذاعة و التلفزيون الفرنسية، لكن ذلك لم يرقن فقرّرت متابعة دراساتي العليا في تخصص التاريخ و الجغرافيا، لكنني مرة أخرى اكتشفت عدم اهتمامي بهذا التخصص، و لأنني في فترة الدراسة ابتعدت عن مسقط رأسي فكنت أحن لطبخات جزر الأنتيل، و حاولت استعادة كل ما تعلمته أو كبرت على مذاقه و روائحه التي تفتح الشهية. فالصغار لم يكن لديهم الحق في الاقتراب من المطبخ بالأنتيل لمكانته الكبيرة، فقد كان يبنى بحيّز مستقل و خارج البيت تدخله إلا ربات البيوت و الجدات، و بقيت تلك الروائح تداعب أنفي حتى بعد ابتعادي و سفري إلى باريس، أين وجدت نفسي مجبرة على دخول المطبخ و الاعتماد على نفسي في تحضير طعامي، و ذات يوم و بينما قمت بإعداد الأكل لأصدقائي اكتشفت بأن ثمة شيء يجذبني و يثير اهتمامي و يحفزني على إعداد أطباق جديدة و متميّزة و أدركت بأنه مجال تخصصي المستقبلي، و كان بالفعل كذلك. فأخذت أترّدد على المطاعم و الاحتكاك برؤساء الطباخين، و كلما انتهيت من عملي في الصباح أسرع لمتابعة تقنيات و تدابير و أسرار الطبخ حتى ساعات متأخرة من الليل. - إذا كان تخصصك بمثابة الموهبة؟ -بالفعل هو كذلك، فالطبخ ليس نشاطا نتعلّمه و إنما شيء يمتلكنا فنملكه، تماما مثل الصوت القوي الذي قد يجعل من صاحبه مغن صادح «تينور أو سوبرانو» فالمسألة حقا مسألة موهبة. -كم سنة تمكن فن الطبخ في أسرك بين قضبانه؟ - أكثر من 45 سنة، فأنا لم أقاوم و لم أغيّر وجهتي بل بقيت على نفس المركب. -ما سر النجاح و الاستمرارية في مجال يعرف منافسة كبيرة بين ثقافات العالم الواسعة و الثرية؟ - الحب، حب ما نفعل و التفاني في تقديمه بشكل متميّز و جديد، مع العمل و العمل و الشهرة و النجاح يأتيان تلقائيا. -تؤكدين كثيرا على العمل، فكم ساعة تعمل بابيت في اليوم؟ - لا تكاد ساعات اليوم الواحد تكفيني، فأنا لا أنام سوى ثلاث أو أربع ساعات في الليل، و أبدأ يومي مبكرا بمراقبة سير الأشغال بمطعمي الخاص، قبل التنقل إلى الأستوديو لتسجيل على الأقل حلقتين من برنامج «الأطباق الصغيرة لبابيت» و بعد الظهر أكرس بعض اللحظات للكتابة سواء كتابة وصفات أو معلومات و تأليف إصدارات جديدة، أتنقل بعدها مباشرة إلى التلفزيون لتصوير حصص مباشرة منها «إليكم» ثم العودة إلى مطعمي الخاص و أخيرا الرجوع إلى المنزل و الخلود إلى الراحة لكن بعد البحث و الكتابة. -جدول يومي مليء و شاق، فكيف تنجحين في الحفاظ على ابتسامتك و خفة الروح؟ - عندما نقوم بشيء من اختيارنا و نحبه فإننا نستمتع بكل لحظة فيه مهما كان شاقا..الطبخ مسألة قلب، و تقاسم، لابد من حب الناس إذا أردنا أن نقاسمهم أجمل و ألذ ما تصنع أيدينا.فأجمل هدية تقدم للشيف، أن يعيد الزبون الطبق فارغا، و أنا قلبي يرقص فرحا عندما أرى الناس يتلذذون بما أقدم. - من أين تستوحي بابيت وصفاتها الجديدة؟ - من محيطي الكريولي(المستعمرات الأوروبية القديمة)، أين يعتمدون كثيرا على البهارات، و أظن أنها تبقى وراء بصمتي الخاصة التي أضفيها على الوصفات الفرنسية التي أجيد إعدادها. -أطلعينا على سر واحد من مطبخك الناجح؟ - تضحك، أستعمل كثيرا خلطة البهارات الأربعة المكوّنة من الكمون، الفلفل الأحمر و الأعشاب العطرية.. -في رأيك في أي مرتبة يوجد المطبخ الفرنسي اليوم ، في زمن العولمة الثقافية؟ - أظنه لا زال يتصدّر القائمة، خاصة بعد الاتفاقية الجديدة المشجعة لمنتجات المعدة بالبيوت و التي ساهمت في بروز و استعادة الكثير من الأكلات التقليدية ذات القمة الغذائية المهمة. -ما هي هواية بابيت الثانية؟ - التجوّل بالأسواق لاختيار الفواكه و الخضروات الطازجة فأنا ألمس و أقلّب و أشم كل ما أريد اقتناءه بالإضافة إلى تناول الطعام بالمطاعم الشعبية و الاحتكاك بالناس العاديين. -ماذا عن إصداراتك؟ أذكر منها "المطبخ الانتيلي" الذي تحصلت بفضله على - في رصيدي حتى الآن 14كتابا منها ما هو في أجزاء قد تصل إلى أربعة أجزاء، جائزة «وورد كوك بوك آووردس»و كتاب «أطباق بابيت الصغيرة» و «بابيت بوك» و «مطبخ آلكسندر ديما» الذي تم ترشيحه لجائزة بويير(غونكور كتب الطبخ)، و أعكف حاليا على تحضير كتاب خاص بالريجيم بالتنسيق مع البرنامج العالمي المتخصص في الحمية الغذائية «ديكان».