المرحلون من فج الريح و واد الحد يتخطون العنف بالقطيعة تخفي حالة الهدوء التي تعرفها الوحدة الجوارية رقم14 بالمدينة الجديدة علي منجلي معطيات، لا تقل خطورة عن ظاهرة المواجهات التي وقع تحت تأثيرها السكان لفترة قاربت السنة، حيث توصل المرحلون من واد الحد وفج الريح ، تحت رقابة أمنية مشددة، إلى صيغة توافقية لوقف العنف داخل الحي، لكنهم يرفضون التعايش وفق مبدأ الجوار، لتمسك كل طرف بدور الضحية ونعت الآخر بالمتحرش، والغريب أن الهدوء يخفي حقيقة لا تقل سوء عن العنف، وهي تقسيم الحي إلى حيين ووضع حدود لا يمكن لسكان أي جهة أن يتخطوها. ما يعني أن مشكلة الوحدة الجوارية رقم14 تبقى معلقة ومفتوحة على كل الاحتمالات ، بسبب حالة التوجس المتفشية، بينما يواصل جهاز الأمن الانتشار بالمكان منذ ستة أشهر. روبورتاج : عبد الله بودبابة ستة أشهر مرت على استعادة الهدوء بالوحدة الجوارية ال 14 بالمدينة الجديدة علي منجلي، بعد تطبيق مخطط أمني خاص، لفرض النظام والانضباط على العشرات من المشاغبين، الذين حولوا حياة المئات من العائلات إلى جحيم، وأدخلوا الحي في حرب عصابات، سقط خلالها المئات من الجرحى، وشردت الكثير من العائلات التي غادرت منازلها، وعادت إلى الأكواخ أو قامت بتأجير المنازل والتنقل بين منازل الأقارب، فرارا من جحيم العصابات، التي استباحت في وقت سابق كل شيء، في مشهد تواصل لما يقارب السنة ، و تخللته حروب الكر والفر بين رجال الأمن وشباب تحولوا إلى ما يشبه الجنود المرابطين بنقاط معينة و لا يغادرون أماكنهم، تأهبا لأي هجوم من الجهة الأخرى. وإن مرت ستة أشهر كاملة على آخر احتكاك بين سكان الحي، وهي المدة التي يعتبرها البعض بالمناسبة نسبيا، حتى ينسى كل طرف ما يحمله من أحقاد عن الطرف الثاني، إلا أن الواقع لا يعكس تماما كل هذه الفرضيات، سيما وأن السكان يعيشون هدوء حذرا، خيمت عليه الأحداث السابقة، التي شكلت تراكمات اتخذها الكثيرون قاعدة ضبطوا على أساسها نظام حياتهم الجديد، لتتحول الوحدة الجوارية 14 إلى حيين، بحدود لا يعرفها إلا السكان أنفسهم. الأحداث المتسارعة التي وقعت بين السكان المرحلين من حيي فج الريح والإخوة عباس، وما خلفته من خوف وذعر، لم تترك الفرصة للبحث في تفاصيل الصراع، الذي بدأ من الوهلة الأولى بين بعض الشباب، إلا أنه ومع انتهاء الصراع، يبقى اللبس يكتنف السبب الرئيسي في الصراع الواقع بين السكان، سيما وأن كل ما يتم تداوله لا يخرج عن كون الأمر عبارة عن صراع على أمر معنوي غير ظاهر، ما يؤكد فرضية وجود أسباب أخرى، قد لا يعلمها حتى المتخاصمون أنفسهم. بعد مرور كل هذه المدة على دخول الإجراءات الأمنية حيز التنفيذ، وعودة الهدوء والحياة إلى ريتمها العادي، حاولنا أن نقف على حقيقية ما يقال عن أن ثقافة الجوار قد عادت من جديد إلى الوحدة الجوارية رقم 14 بالمدينة الجديدة علي منجلي ، ومعرفة مدى تفاعل مختلف الفئات مع مساعي الصلح داخل الحي الواحد ومدى نجاعة الجهود المبذولة من قبل العديد من الأطراف، في الجمع بين السكان سيما وأن شهر رمضان فرصة لتقريب الفرقاء ونشر السكينة وروح التسامح بين الناس. عودة الهدوء في انتظار التعايش تدريجيا ما إن تتراءى لك الوحدة الجوارية 14، بين التجمعات السكانية القريبة، حتى تتبادر لذهنك الكثير من الأفكار عن ما سيعترض طريقك، وإن كان أحدهم سيوقفك ويحاول معرفة وجهتك، وهو الكلام الذي يشاع بين الكثيرين، كما أن دخول أي شخص غريب إلى التجمع السكاني، غير مألوف، ويمكن أن يلفت الانتباه بسهولة كبيرة من قبل الشباب، كما أن أي ارتباك يجعل صاحبه محل شك وتوجس. ونحن نتقدم بين العمارات من الجهة المحاذية لمركز الشرطة الذي افتتح منتصف السنة الماضية، بدت كل الأمور عادية، و لم نلاحظ أي أثر لوقوع شجارات دامية بين السكان،باستثناء بقايا بعض هياكل السيارات بزجاجها المحطم، بفعل رشقها بالحجارة، أو بعض الشرفات التي يغلب السواد على جدرانها بعد أن ألقيت بها زجاجات المولوتوف، ولاحظنا أن بعض سيارات شرطة مكافحة الشغب لا تزال مرابطة في بعض النقاط، عدا ذلك لم نجد ما يوحي بأن الحي وقع تحت تأثير أحداث شغب دامت لشهور. لكن النظرات التي كانت تلاحقنا من قبل الكثير من الشباب المتجمع بين العمارات ومداخلها، توحي بالكثير من الكلام الذي ترجمته عيونهم، وكأنهم يريدون أن يعرفوا من نحن، أو سبب دخولنا الحي، الذي أصبح مرادفا للاضطرابات في أذهان القسنطينيين الذين لا يعرفون عن المكان سوى ما تتناقله وسائل الإعلام والأقاويل المتداولة عن العنف والشجارات اليومية، من الوهلة الأولى بدا الجميع يعرفون بعضهم، وملتفين فيما بينهم بشكل غريب. الطرفان لا يريدان أن تعود المناوشات بين الجيران وإن لم نكن نعلم في البداية في أي جهة نحن، إلا أن تساؤلنا لم يدم طويلا، فقد كان احتكاكنا مع بعض الشباب موفقا، وكان التجاوب ايجابيا من طرفهم، عندما علموا أننا من جريدة النصر ونحاول القيام بعمل صحفي عن السكان والحي بعد عودة الهدوء إليه، ليرحب بنا من قبل بعض أبناء حي الإخوة عباس، الذين قضينا بعض الوقت معهم قبل التوجه إلى الجهة الأخرى. أكد لنا بعض من إلتقيناهم من سكان الوحدة الجوارية 14 المرحلين من حي الإخوة عباس أن كل المشاكل التي حدثت كانت مفتعلة من قبل شباب فج الريح، وأن ما صدر منهم هو رد فعل ومحاولة لرفع "الظلم عن أبناء حيهم"، الذين راح ، حسبهم ،الكثير منهم ضحية لأفعال غير أخلاقية، لكنهم اعترفوا أنه ومع مرور الوقت أصبح الوضع أكثر هدوء من قبل، خصوصا خلال الستة أشهر الأخيرة، رغم أن الحذر لا يزال قائما ،حسبهم، وهو ما يؤكده الانقسام بين السكان، ويضيف أحد الشباب: "صحيح أن الوضع هادئ والحمد لله، لكننا لا نتكلم معهم ولا نمشي قرب العمارات التي يقطنونها، لنا مقاهينا التي نجلس فيها، ولهم هم كذلك". ولم تختلف الأجواء كثيرا بالعمارات التي يقطنها المرحلون من حي فج الريح ، فالكل حذر والكل يراقب الطريق التي تربط بين الجهتين، والتي لم يعبرها سوانا وشيخان طاعنان في السن، وكأن حاجزا غير مرئي بين الجهتين يحول دون استعمال الطريق من قبل السكان، الأمر أشبه بعرف اتفق عليه السكان كحل للمشاكل التي تحدث من وقت لآخر، ولا يريد أي كان أن يصبح السبب في تجدد المشاكل. بعض من شباب فج الريح، أكدوا، أنهم لا يريدون أن تعود المناوشات بينهم وبين جيرانهم، غير أنهم تحدثوا عن تعرضهم لاستفزازات تمنعهم من الشعور بالراحة وتجعلهم في حالة يقظة لأي محاولة للاعتداء عليهم، حتى وإن تواصل الهدوء ستة أشهر متتالية. هدوء يصفونه بالمريب ، لكنهم يرحبون به ويتمنون أن يتواصل ولو على حساب التعايش، مفضلين بقاء الوحدة الجوارية 14 مقسمة إلى نصفين، بدل تجدد المواجهات بين الشباب منطق التقسيم يطال "الفرود" ومساحات اللعب منطق التقسيم و الانقسام بلغ أشده بين السكان، فحتى النقل المتمثل في سيارات "الفرود" مقسم بين السكان، فكل جهة لها سياراتها الخاصة بها، والتي تنطلق من نقطة واحدة بقلب المدينة، ويأخذ كل سائق مساره حسب الجهة التي ينتمي إليها، بل ويرفض طلب أي زبون الدخول به إلى منطقة الحي الآخر. مساحات اللعب لم تسلم بعد أن طالها التقسيم، بين ملاعب لسكان فج الريح وملاعب الإخوة عباس، ولا مجال للخلط بين الجهتين، وأي محاولة لذلك يقول بعض الشباب أنها ستعيد إشعال فتيل الشجارات بين السكان، ولن يسمح أي طرف بالعودة مجددا إلى نقطة الصفر، خصوصا وأنهم بدؤوا يعتادون على الحياة بشكلها الجديد، حتى وإن كانت مرفوضة اجتماعيا وأخلاقيا. عناصر مكافحة الشغب يرابطون بالحي رغم مرور أشهر على استتباب الأمن بالوحدة الجوارية 14، إلا أن انتشار وحدات مكافحة الشغب في مناطق محددة بالحي لا يزال قائما، حيث يرابط العشرات من أعوان الأمن التابعين للوحدة الجمهورية الخامسة عشر للأمن يوميا، وعلى مدار 24 ساعة، وهو ما يمنح بعضا من الاطمئنان لدى البعض، ويقف دون أن تتكرر الاحتكاكات بين السكان. وحتى وإن كان تواجد أعوان الأمن رمزيا لدى البعض، فإنه ومنذ اندلاع المواجهات بين سكان الوحدة الجوارية 14، وإلى حين تطبيق المخطط الأمني، الذي ساهم بشكل كبير في استتباب الأمن، فقد نفذ جهاز الأمن، بالإضافة إلى عشرات التدخلات الميدانية، محاولات صلح بين المتخاصمين وحملات تحسيسية لفائدة السكان وأبنائهم، لإيجاد مخرج للأزمة، يمزج بين الحزم واللين. حتى وإن وجدنا الشكل الجديد للوحدة الجوارية 14 غريبا نوعا ما، إلا أن الكثير من الشباب والسكان القاطنين بها، أكدوا حرصهم على بقاء الأمور على حالها، على الأقل حتى لا تتكرر المواجهات، ويعيش الجميع في سلام، تحاشيا للعودة إلى سيناريو عاشوا فيه يوميات صعبة دفعت العشرات من العائلات إلى مغادرة الشقق، وفضلت العودة إلى حياة السكن الهش بحثا عن الهدوء وراحة البال التي أصبحت بالنسبة للكثيرين بمثابة الحلم.