"قفا نبك على ما تبقى من أجمل شاطئ في وهران" روبورتاج / هوارية بن ودان لا يمكن أن تجلس فوق شاطئ "الأندلسيات" بوهران ولا تغوص بمخيلتك في أعماق التاريخ لتستذكر قصة " فتح وسقوط الأندلس" لسبب بسيط وهو أن شواطئ جنوب إسبانيا غير بعيدة عن الأندلسيات. الإحساس بالتواصل يرتبط أيضا بالتسمية التي يقتبسها هذا الشاطئ الكائن ببلدية العنصر من تاريخ الحضارة الإسلامية وعصر الفتوحات . من هنا مرت جيوش طارق بن زياد وموسى بن نصير، و إلى هنا طرد المسلمون من إسبانيا. " الأندلسيات".. أبرز شواطئ وهران وأجملها . يقتبس إسمه من الأندلس و التي أطلق عليها هذا الاسم نسبة لقبائل الفاندال الاسكندنافية التي احتلت منطقة جنوب شرق شبه جزيرة "إيبيريا" تعرف اليوم بمنطقة كاتالونيا الإسبانية التي كانت قبل دخول الفاندال تحت سيطرة الإمبراطورية الرومانية. بالنظر للهجة جنوب إسبانيا ، سميت المنطقة "فاندالوسيا" لتتحول مع مرور الزمن ل"أندلوسيا" ثم سماها المسلمون الأندلس . وبعد سقوط الأندلس سنة 1492م ، نزح المسلمون قسرا بعد طردهم من إسبانيا ، نحو شمال إفريقيا وبالضبط إلى المغرب والجزائر وبعدها تونس . أطلق عليهم اسم " المورسكيون" والذين لايزال تواجدهم يسجل من خلال أصول عدة عائلات تسكن ببعض مدن المغرب والجزائر، خاصة فاس و تلمسان و وهران . هذه الأخيرة التي يوجد بلهجة سكانها أكثر من 800 كلمة إسبانية المصدر و جاءت مع المورسكيين ثم الاحتلال الإسباني لاحقا . يذكر بعض المؤرخين ، أن المورسكيين نزلوا بشاطئ الأندلسيات الذي وفر لهم الأمان وظروف العيش المريحة لتواجد الأراضي الفلاحية الخصبة قربه. الأندلسيات ليست شاطئا فقط ، هي التاريخ والأساطير مثل أسطورة "سيدي محمد البحري وللا خضرة". بمجرد أن تتجول بالشاطئ يلفت انتباهك مزار ولي صالح على شكل مربع مزدوج يزوره قاصدو الشاطئ وحتى العرسان تبركا به. سألنا بعض ساكني المنطقة من يكون سيدي محمد البحري ؟ ، لم نجد جوابا سوى أن الأجداد قالوا أن امرأة اسمها " للا خضرة " تسكن سفح الجبل المحاذي للشاطئ في مغارة ويقال أنها كانت تملك كرامات و كانت دعواتها مستجابة وإذا غضبت ينزل غضبها على من حولها وتحل بهم اللعنة .. وأضاف عمي علي ،،، كان لديها ابن اسمه محمد أسود البشرة ، حسب الروايات .. كان مولعا بالبحر لذا يقع ضريحه قرب الشاطئ و ضريح أمه في الجبل. هو الآخر ، كانت له كرامات ويستمد قوته من البحر... تقام له " الوعدة " تبركا به إلى اليوم . لم يكن الشاطئ مفتوحا للسباحة بسبب ندرة توافد المصطافين لبعده عن وهران وعزلته ، حيث لا يقطنه سوى بعض الفلاحين القلائل ، إلى غاية 16جوان 1973، حين أشرف رئيس مجلس الثورة الراحل هواري بومدين ، بتدشين أول مركب سياحي في الولاية كلها وهو مركب الأندلسيات الذي لايزال في الخدمة لحد الآن ولا يزال مركبا عموميا. من هنا بدأت الحركية تدب في شاطئ الأندلسيات ، لكن لغاية نهاية التسعينيات كان المصطافون من العائلات فقط خاصة التي تملك وسيلة النقل وكان الاصطياف فيه يعكس التحضر الموروث عن حضارة "الأندلس". شخصيا كان شاطئ الأندلسيات أول شاطئ أكتشفه في حياتي ولازالت أول صورة له راسخة في ذهني سنة 1979 ، حين وطأت قدماي الشاطئ رفقة والدي وإخوتي.. مازالت صورة تلك الرمال الذهبية الصافية والنظيفة جدا ترتسم في ذهني إلى اليوم ،،، تتوزع فوقها المظلات المصنوعة من القصب مثل شاطئ "هاواي" .. خضرة سفح جبل الأطلس التلي، المرتسمة فوق وجه البحر لم تكن تقطعها غير أمواج تكاد لا تغير شيئا من رسومها ... العائلات تجلس في مجموعات متباعدة عن بعضها البعض . عدت للشاطئ بعد 34 سنة لأنجز هذا العمل ، فتفاجأت بانقلاب الأمور رأسا على عقب وللأسف نحو الأسوأ. لم يبق سوى رائحة التاريخ في " الأندلسيات ". ذلكم الزمن الجميل .. مازال وراء اقبال زوار اليوم أقرت بعض العائلات التي إلتقتها النصر فوق الشاطئ أن الحنين للوقت الزين الذي كانت ترتاد فيه هذا الشاطئ وتقضي به أوقاتا مريحة جدا وهادئة ، هو الذي يجعلها تختار الأندلسيات في موسم الإصطياف . الحاجة عائشة من وهران تقول " أنا لا أختار سوى الأندلسيات في الصيف ، كنا ، كل العائلة رجالا ونساء وأطفالا نأتي لقضاء أوقات مريحة في " الأندلس " . لكن منذ سنوات أصبحت أنا التي أقود القافلة المكونة من بناتي وزوجة إبني والأطفال بسبب كثرة الإزعاج الذي أصبحنا نتعرض له. لم يعد الشاطئ يتمتع بهدوئه وحرمته المعهودة .. فوضى عارمة ، وتصرفات طائشة لا تحترم أحدا .. زوجي وأبنائي باتوا يرفضون اصطحابنا إلى هذا الشاطئ تفاديا للإزعاج من قبل هؤلاء الشبان الذين لا حسيب لهم أو رقيب ؟؟ فهل يمكننا أن نتحدث بعد ذلك عن السياحة وأمن الشواطئ ؟ . شباب متهور لا يحترم أحدا . نفس الكلمات قالتها أمينة التي كانت رفقة إبنيها "الأندلسيات شاطئ جميل تعودت عليه منذ عشرات السنين، أحس وكأنه بيتي الصيفي ،حتى وإن كانت الأمور قد تغيرت نحو الأسوإ بفعل الإزعاج . بينما أوضح توفيق " أنا أسكن قرب الشاطئ ، وأعتبر الصيف فرصة للترفيه على أولادي لأنهم طول السنة في عزلة عن العالم فمن البيت إلى المدرسة فحتى حركية الحياة تموت في باقي أيام السنة . الشاطئ إمتداد لبيتي هكذا أعتبره فعوض أن أخرج لساحة المنزل كي أتغذى أو أشرب قهوتي مثل العادة ، أنزل للشاطئ صيفا ، ولكن دون زوجتي لأن الإزعاج والممارسات المخلة بالإحترام تضاعفت في السنوات الأخيرة ، فنحن لا نستمتع بالبحر إلا في باقي أيام السنة ". الوافدون من خارج وهران تعودوا على الأندلسيات مجموعة من الشباب ذكرت أنها لأول مرة تقصد شاطئ الأندلسيات في وهران. جاؤوا من عين البيضاء بأم البواقي. في الماضي كانوا يتوجهون لشواطئ الشرق وتيبازة . إختاروا الأندلسيات بسبب زميل يعرف الشاطئ جيدا عندما كان في الخدمة الوطنية . كان يقضي أوقات الصيف هناك . الأندلسيات يختلف كثيرا عن شواطئ أخرى زرناها .. فيه نكهة خاصة تعطيك إحساسا بأنك في حضن عائلي رغم بعض التجاوزات التي تسجل من حين لآخر كما يذكرون . غير بعيد كانت مجموعة أخرى من الرجال تستمتع بالبحر قالوا "نحن من بشار، الأندلسيات بالنسبة لنا ليس الشاطئ فقط فنحن نزوره كل أيام السنة ، كلما زرنا وهران لقضاء أشغالنا نعرج عليه ونقضي الليلة عند أحد السكان القريب من الشاطئ أصبحنا زبائنه ، عوض تأجير غرفة في فندق ، فللبحر هوسه شتاء أيضا . نعتبر أنفسنا من سكان المنطقة . المغتربون والأجانب يفضلون الأندلسيات أيضا العديد من المغتربين يفضلون شاطئ الأندلسيات للتصييف . منهم من يتذكر فيه الأيام المريحة والجميلة التي كان يقضيها في سنوات الزمن الجميل . ومنهم من يرتبط به عاطفيا .. أما الأجانب فلهم حكايتهم أيضا . ونحن نتجول فوق الشاطئ صادفنا مجموعة من الشباب الأفارقة، لم ينفروا منا مثل العادة بل تحدثوا عن الأندلسيات بكل إرتياح يقول أحدهم " لا نرتاح إلا في شاطئ الأندلسيات ، لا نتعرض فيه للإزعاج أو الإعتداء مثل بعض الشواطئ التي أصبحنا لا نذهب لها ، نحن طلبة بجامعة وهران من زيمبابوي. نأتي إلى الأندلسيات منذ العام الماضي .. أحيانا نصطحب زميلاتنا الإفريقيات اللواتي يدرسن معنا للإستمتاع بالبحر كون الشاطئ يوفر الأمن أكثر بالنسبة لنا. كما أننا نجد كل المتلطبات هنا "... بعيدا عن إكتظاظ الشمسيات وزحمة التجول ، وجدنا عائلة مغتربة تستجم بهدوء، فضل الأبوان أن نتكلم مع بنتيهما لأنهما من أصل وهراني والحديث عن الأندلسيات هو حديث عن ذكريات جميلة وحنين بالنسبة لها. بإبتسامات عريضة شرحت الفتاتان إحساسهما " نحن من باريس ، تعودنا كل صيف على الأندلسيات ... شاطئ جميل وكنا نعيش فيه الزهو الوهراني من خلال سهرات الراي التي كانت تقام كل ليلة أما هذا العام فنحن هنا منذ أسبوع ولا شيء سوى البحر وبعض موسيقى "الديجي" التي يطلقها مستغلو الشاطئ ثم نذهب للنوم . صراحة نفضل شواطئ كاتالونيا الإسبانية التي نقصدها عندما يتعذر علينا دخول البلاد . الوضع لا يقارن من ناحية المصيف المجهز بكل شيء والخدمات السياحية والترفيه، ما ينقص هو نكهة الجلسات مع الجزائريين وسط جو عائلي".