الجزائر تفقد علامتها عبد الرحمان الجيلالي انطفأ ليلة الخميس إلى الجمعة العلامة عبد الرحمان الجيلالي بمستشفى عين طاية بالجزائر العاصمة في السنة الثالثة بعد المئة من عمر مديد قضاه في خدمة العلم والدين، حتى تحول إلى أيقونة، دخل كل البيوت وتربت على صوته أجيال من الجزائريين. فمن ذا الذي ينسى صوت هذا الشيخ العاصمي الوقور وهو يقول " أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم..." قبل أن يشرع في إرشاد الجزائريين إلى دينهم، مستعينا ببرهان العالم وبيان الفقيه وسعة إطلاع المؤرخ. متعلمون وأميون نهلوا منه طيلة عقود، حتى ما إذا وقعت الجزائر تحت سلطة التطرف خبا صوته وعلت أصوات منكرة قادمة من جزيرة العرب وأدغال آسيا، لتحل القتل والاغتصاب بل وتحول فتاوى الشيخ الجيلالي إلى نكت في خطة للتقليل من شأن صوت العقل والتسامح.إلى جانب برنامجه الإذاعي الشهير "رأي الدين في أسئلة المستمعين" كان الفقيد يطل كل مرة على الجزائريين ليلة الشك وبدون انقطاع في اجتماع لجنة الأهلة بهندامه الأنيق وقبعته الأوروبية ليعطي صورة مختلفة عن رجال الدين . وقبل هذا وذاك أثرى الراحل المكتبة الوطنية بمؤلفات في التاريخ والفقه ودروس ومحاضرات مكنت للاسلام الجزائري المتفتح والمتسامح.والشيخ عبد الرحمان الجيلالي من مواليد التاسع فيفري 1908 بحي بولوغين بالجزائر العاصمة، حفظ القرآن قبل سن ال14 وتلقى تكوينا كلاسيكيا في المساجد والزوايا ومن الشيوخ الذين تتلمذ على أيديهم كما جاء في سيرته، الشيخ عبد الحميد بن سمايا والشيخ المولود الزريبي الأزهري والشيخ الحفناوي.وترك فقيد الجزائر عشرات المؤلفات أهمها على الإطلاق "تاريخ الجزائر العام" الذي أصدره في جزئين وطبع عدة طبعات وكذا كتاب "تاريخ المدن الثلاث: الجزائر، المدية، مليانة". وكذا كتاب عن تاريخ الدكتور بن أبي شنب، وكتاب حول ابن خلدون في الجزائر وآخر عن العملة الجزائرية في عهد الأمير، فضلا عن مؤلفات في الفقه، وتنوعت مجالات اهتمامه ودراسته لتشمل الموسيقى والعمارة. كما كانت له إسهامات صحفية دشنها في مجلة الأقدام للأمير خالد حفيد الأمير عبد القادر وصولا إلى مجلة الأصالة التي أشرف على تأسيسها.ولم يكتف بنشاطه العلمي حيث ساهم في تنظيم المؤسسات الدينية في الجزائر المستقلة من خلال إنشاء نظارات الشؤون الدينية والانتساب إلى لجنة الفتوى وكذا الإسهام في إنشاء المجلس الإسلامي الأعلى، فضلا عن اسهامه في تنظيم ملتقيات الفكر الإسلامي. وبرحيل عبد الرحمان الجيلالي تفقد الجزائر واحدا من أعلامها الكبار في وقت حساس تسعى فيه إلى تعزيز هويتها وإعادة الاعتبار للمذهب المالكي الذي تضرر بفعل الغزو الوهابي الذي بات يعتمد على وسائل الاتصال المتطورة بعدما كان يكتفي بالدعم المالي في بداياته، وهو الغزو الذي أنجب التطرف الديني وتسبب في تشويه الثقافة الجزائرية ، حيث تسربت إلى لباس الجزائريين أزياء آسياوية غريبة وباتوا يتعاطون فتاوى غريبة من شأنها أن تنال من العادات التي توارثتها ساكنة الجزائر والمغرب العربي عموما، عبر القرون. وربما ستحتاج الجزائر إلى وقت طويل لإنجاب شخصية في علم الراحل الكبير وفي مكانته.