شكلت النجاحات التي حققتها المرأة الريفية في الجزائر خلال العشرية الأخيرة حافزا قويا لها لولوج عالم المقاولة وعدم الاكتفاء بالنشاطات التقليدية والحرفية. فالمرأة الريفية حققت نجاحات معتبرة فبالإضافة إلى دورها ثلاثي الأبعاد (زوجة و أم و ربة بيت) أصبحت تساهم وبفعالية في تنشيط حياة الريف الاقتصادية وبالتالي الحد من أحد أخطر المشاكل المتمثلة في نزوح السكان. وأبرزت النساء الريفيات التي شاركن في معرض الفلاحة الذي نظم مؤخرا بمناسبة الاحتفال بخمسينية الاستقلال لواج الرغبة "القوية" التي تحذوهن في تحسين أوضاع أسرهن والمشاركة الفعالة في الاقتصاد الوطني حيث تجاوزت طموحاتهن ترقية المنتجات المحلية والصناعة التقليدية إلى المقاولة و إنشاء تعاونيات إلا أن آليات الدعم رغم تنوعها لا تصل أحيانا إلى مستحقيها الفاعلين في حياة الريف. نماذج ... ينبغي الاقتداء بها و أكدت بن جديد نوارة و هي سيدة في عقد الخمسينات حاملة مشروع لمنتجات التمور والمتحصلة على شهادة تأهيل من غرفة الصناعة التقليدية والحرفية لمدينة سعيدة رغبتها في تطوير مؤسستها المصغرة و المتخصصة في صنع عسل التمر "الرب" الذي تؤكد التحاليل المخبرية نوعيته الرفيعة نظرا لقيمته الغذائية ولقدرته على محاربة الأرق. ويبقى انشغال السيدة بن جديد الأساسي توسيع نشاطها لصنع مختلف أنواع عسل التمر حسب المنتوج (تمر الحميرة و تمر الجوهرة ...) و كذا مختلف أنواع المربى (الدلاع و التين المجفف...) إلا أن نقص الدعم -رغم حرص السلطات على توفيره و تنويعه- حال دون تحقيق ذلك. لكن هذا -تضيف -"لا ينقص من عزيمتي -الفولاذية- في تطوير الإنتاج ورفعه والتوصل إلى صفقات مع تجار التجزئة والجملة لتقريب المنتوج من المستهلك". وترى النساء الريفيات أن البيروقراطية و نقص الدعم وكذا تكديس المنتوج إضافة إلى نقص اليد العاملة عراقيل تحول في مجملها دون التوصل إلى الهدف إلا أن هذا لا يحد من "عزيمتنا القوية و مواصلة المشوار". و بهذا الشأن توضح الأنسة بكري العالية صاحبة ال33 ربيعا -متحصلة على ليسانس تجارة و مهندسة في علوم الجيولوجية و البترول رئيسة جمعية "حواء الونشريس" (تيسمسيلت)- أن "تثمين نشاط المرأة الريفية و حماية الصناعة التقليدية من الاندثار هو هدفنا الرئيسي الذي نعمل رفقة المنخرطات على تحقيقه". ولهذا تسهر الجمعية على جمع منتوج النساء الماكثات في البيت والتعريف به من خلال المشاركة في المعارض الوطنية والدولية وتسويقه للرفع من راس مال المشاركات و استثماره مجددا سعيا لترقية نشاطهن. وتتمثل المنتجات التي تعمل الجمعية على ترقيتها والتعريف بها في مأكولات تقليدية شعبية لها فوائد صحية اصبح الأطباء أنفسهم يوصوا بتناولها نظرا لما لها من فعالية في الحد من بعض أمراض العصر. و يتعلق الأمر خاصة بالدشيشة بأنواعها (القمح فريك- والشعير-مرمز) التي تستعمل في مختلف أنواع الحساء وكذلك الكسكسى بأنواعه (الشعير و القمح و البلوط)...الخ إضافة إلى حلويات تقليدية. و أوضحت الآنسة بكري انها تعمل "على تحسين أجرعمل المرأة الريفية" و لهذا تسعى إلى إقامة ورشة إنتاج للحرفيات تكون على شكل تعاونية تشمل مختلف النشاطات الزراعية و التقليدية و الحرفية التي تقوم بها النساء الريفيات. و لهذا تضيف "استفدت من برنامج الاتحاد الأوروبي حيث قمت بتربص تعلق بالتسيير ما سيمكنني لاحقا من الاستفادة من برنامج الاتحاد في شقه المتعلق بمرافقة ودعم أصحاب المشاريع". وأفادت بدورها السيدة وافية من ولاية قالمة مهندسة فلاحية مستثمرة في الحبوب بعد أن ثمنت جهود الدولة في توسيع النشاط الاقتصادي في الأرياف قائلة "العمل لابد أن يستمر و بوتيرة اكبر لإدراك النقائص" و التي تلخصها بدورها في نقص اليد العاملة والتسويق. و بهذا الشأن أشارت السيدة وافية -صاحبة كذلك مشروع صناعي "تصبير المنتجات الموطنية" إلي أن الإقبال على المشاريع الفلاحية "كبير" إلا أن نقص الوعي إضافة إلى التماطل الذي تعرفه مرحلة دراسة جدوى المشاريع و كذا نقص وثائق الملف المتعلق بالبنوك أحيانا تحول دون وصول الإعانات إلى مستحقيها في وقتها إلا أن هذا لا يحد من عزيمة الراغبين مستشهدة بالمثل القائل "شيء فشيء يبنى العصفور عشه". أما السيدة فتيحة مقران من ولاية وهران و هي منتخبة في الغرفة الجهوية للفلاحة تؤكد أن المشاكل التي تطرح بحدة تتمثل خاصة في نقص التمويل الذي يطلبه المستثمر أو صاحب المشروع الفلاحي. و توضح بهذا الصدد أن المشاكل البيروقراطية (طول مدة دراسة الملف المقدم للحصول على الإعانة أو القرض) علما أن الإعانات والقروض موسمية أي مربوطة بعملية معينة (الحرث الزرع أو الجني...). و تضيف أن البنوك رغم التعليمات التي أعطيت لها لتسهيل عملية منح القروض للمزارعين إلا أنها لا تساير التطور الحاصل في الريف الجزائري و لا حتى الإجراءات الهامة التي باتت حقيقة ملموسة. و أشارت بهذا الشأن قائلة "إن ما يثقل كاهل الفلاح الإجراءات البنكية التي لا تزل تشكل النقطة السوداء" في مجمل الإجراءات التحفيزية التي اتخذت و على رأسها بنك الفلاحة والتنمية الريفية. الثروة البشرية...المحرك الاقتصادي في الريف وبهذا الشأن أكدت السيدة جحيش فتيحة مستشارة بوزارة الفلاحة والتنمية الريفية أن سياسة التنمية الريفية اثبت نجاعتها خاصة بعد العشرية السوداء التي أفقدت الريف الجزائري "روحه". وتؤكد الأرقام ذلك حيث تحصلت السنة الماضية نحو 000 44 امرأة ريفية على بطاقة فلاح مقابل أزيد من 000 41 في سنة 2011 ما يؤكد الإقبال الكبير على الاستثمار علما أن المتحصل على البطاقة ينبغي أن يتوفر على مستثمرة فلاحية تفوق الخمس هكتارات. وساعد على ترقية النشاط النسوي الريفي منذ 2005 -تضيف السيدة جحيش- كذلك تجنيد الحركة الجمعوية المرافقة للتنمية الريفية التي لعبت دورا فعالا في توعية المرأة و إخراجها من عزلتها. و نظرا لفعاليتها في الميدان تهيكلت هذه الحركة في 2011 في الشبكة الجزائرية للتنمية الريفية والتي أصبحت تتضمن 22 جمعية محلية ووطنية ترافق المرأة الريفية على مستوى كل بلديات الوطن منها 979 مصنفة بلدية ريفية محضة حسب المتحدثة. و تؤكد الإحصائيات أن سكان الريف يبلغ عددهم 14 مليون نسمة نصفهم نساء و 70 بالمئة منهم شباب اقل من 30 سنة. و تبرز هذه الإحصائيات "الطاقة الهائلة التي يزخر بها الريف الجزائري والتي تعتبرالعنصرالفعال الذي يعول عليه لتجسيد سياسة التجديد الريفي التي قلصت المسافات بين السلطات والفاعلين في الريف عن طريق التوعية والتكوين".