أكد وزير الدولة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي رمطان لعمامرة يوم الاثنين بدكار بأن الممارسة الإفريقية للوساطة "ارتكزت على مزايا وعوامل متجذرة منذ قرون من الزمن في عادات وتقاليد هذه الشعوب". وقال الوزير في كلمة له في منتدى دكار "حول السلم والأمن" في إفريقيا "أن الممارسة الإفريقية للوساطة بثرائها و تنوعها ارتكزت على مزايا وعوامل متجذرة منذ قرون من الزمن في عادات وتقاليد هذه الشعوب التي تثمن فعالية الأنماط السلمية والعاجلة لتبديد بؤر التوتر والتسوية العادلة للمنازعات ومعالجة الأوضاع المتأزمة". وأشار رئيس الدبلوماسية الجزائرية إلى أن هذه "الأنماط التي ترتكز أساسا على هيبة ومكانة كبار شخصيات قارتنا وعلى استقامة واعتدال حكمائها ساهمت وبقوة في ضبط التفاعلات بين الفئات الاجتماعية وبين المجموعات الإنسانية في إطار ديناميكيات مثمرة للصلح والمصالحة". واعتبر الوزير ان "إدارة وتسوية النزاعات من الناحية النظرية والتطبيقية موسوعة مفتوحة تكتب فصولها تقريبا كل يوم في خضم تجارب جديدة وعلى ضوء إنجازات بالتأكيد غير مكتملة في مواجهة تحديات معقدة". ويرى ايضا أن "هذا التصور وهذه الممارسة في إطار حل الأزمات تبرز في آن واحد مزايا الوقاية وفضائل الوساطة كأسلوب عملي لا تكاد طاقته تنضب" مذكرا في هذا الاطار بأن "عدد النزاعات المسلحة التي تمت تسويتها بفضل الوساطة خلال العشرين سنة الأخيرة أكبر من تلك التي تم تحقيقها خلال القرنين الماضيين". واعتبر الوساطة "تقليد والتزام" مشيرا ان هذا المسعى "ينطبق بالتحديد على إفريقيا التي تعمل قيمها المرجعية على توطيد التوازنات الضرورية بين الفرد والجماعة وبين مختلف المجموعات الإنسانية حول تفاعلات ترمي إلى تعايش منسجم بين الجميع". ويرى الوزير من جهة أخرى بأن "القيم الراسخة عبر العصور والتي أدت إلى التعايش والتفاهم بين مجموعات إنسانية كانت في الأصل تدفعها قساوة الظروف المعيشية إلى التصادم يمكن لها وبالأخص في ظروف اليوم والغد أن تكون مصدرا مغذيا لإسهامات عادلة وفعالة في آن واحد ترمي إلى التكفل الفعلي بالمنازعات والخلافات والنزاعات المحتملة المختلفة في الأشكال والمتفاوتة في الحدة". وقال في ذات السياق ان "المساعي الحميدة و الوساطة التي تسعى دولنا و منظمتنا القارية ومجموعاتنا الجهوية إلى ترقيتها نحو الأفضل من الأساس ومن خلال دعم كل من مكونات البنية الإفريقية للسلم والأمن و كذا الأممالمتحدة تحمل في طياتها وعد بتحقيق المردودية القصوى للعمل الجماعي لقارتنا في مجال الوقاية من النزاعات وتسويتها و كذا تدعيم السلم بعد استتبابه من خلال إعادة البناء والتنمية". وبخصوص الوساطة يرى الوزير أنه "من الواضح أن ممارسة الوساطة بالمفهوم الواسع هو عمل يتطلب دوما إنجاز المزيد من المكاسب ملاحظا بأن هذه الممارسة تقوم على خلفية من سبعة عوامل مضاعفة لتعقيدات متداخلة. فمن جهة بين أطراف النزاع ذاتها". وتتمثل هذه العوامل المضاعفة للتعقيدات -على حد تعبير السيد لعمامرة- في "انقطاع الحوار والتواصل وشرخ في الثقة و تزايد في سوء التفاهم والشكوك وشيطنة نوايا الطرف الآخر والمبالغة في حدة وحجم الخلافات وتوتر في المناخ البسيكولوجي مع الميل لروح التصادم والاتجاه لرفض الحلول الوسيطة ". بالتوازي مع ذلك يرى ممثل الحكومة بأن "الوسيط يجد نفسه في أغلب الأحيان في مجال تحرك ضيق بالنظر للعوائق التي يمكن حصرها في تضاعف عدد الفاعلين وغموض المقاربات وتدخل المساعي وازدواجية الجهود والتوجه نحو استغلال المتدخلين من قبل الأطراف وجمود الإجراءات التعاهدية وبطء وثقل الآليات التقليدية لتسوية الخلافات والنزاعات". -بناء السلم مهمة تتطلب نفسا طويلا وفي مثل ظروف كهذه أكد السيد لعمامرة بأنه " يصبح الالتزام والتكتم والخبرة والمثابرة من المتطلبات الواجبة والضرورية لوضع تصور وقيادة مساعي السلم بكيفية تتماشى مع درجة تعقيد المشاكل المطروحة وحساسيتها". واعتبر هذه "المزايا ذاتها كفيلة كذلك بإنتاج قيمة مضافة ذات طابع سياسي وأخلاقي لا تقدر بثمن وذلك عندما يتعلق الأمر بالعمل على جعل تطبيق وقف إطلاق النار أو تنفيذ اتفاق سلام مسألة لا غنى عنها". واشار في هذا الاطار إلى ما تبين بالفعل ذلك في "تقرير الإبراهيمي" حول عمليات السلام "مشيرا إلى أن الأسابيع الستة أو الإثني عشر الأولى التي تلي الإعلان عن وقف الأعمال العسكرية العدائية تعد حاسمة لإنجاح وديمومة المسار". كما تبين كذلك يقول السيد لعمامرة "أن ثلاثين بالمائة على الأقل من النزاعات تندلع من جديد في غضون السنوات الخمس التي تلي توقفها". ويتضح من ذلك يضيف ممثل الحكومة بأن "بناء السلم مهمة تتطلب نفسا طويلا حول أنشطة متكاملة يدعم بعضها البعض يمكن تعزيزها بمساهمات البلدان ذات النوايا الحسنة وهي مساهمات أساسية بعيد أن تكون ثانوية أو بسيطة". ويرى الوزير بأن "التوترات والأزمات في إفريقيا المرتبطة بالحكامة السياسية وعلى وجه التحديد بالمسارات الانتخابية التعددية في مختلف البلدان وعلى خلفية المعادلة المركزية للعلاقة "وحدة-تنوع" تضع في الحقل الجيوسياسي للقارة جيلا خامسا من النزاعات بعد تلك المرتبطة باستكمال مسار تصفية الاستعمار والقضاء على التمييز العنصري والأخرى المرتبطة بالخلافات الحدودية والأطماع الترابية وتلك الناتجة عن الحرب الباردة وتلك المتعلقة بالتصادم القائم على أسس عقائدية واقتصادية وعرقية و تلك القائمة على الهوية ". وبالفعل يضيف السيد لعمامرة فان "رهانات المسارات الانتخابية الوطنية بإفريقيا في هذه المرحلة الجديدة نسبيا" تتمثل في" تكريس ثقافة وممارسات ديمقراطية تعددية تتظافر مع جملة من العوامل الداخلية والخارجية لتنتج توترات تزيد في حدة المنازعات التي قد تولدها أي استشارة انتخابية". فهذه "المنازعات باختلاف طبيعتها وحجمها"--على حد تعبير الوزير- "غالبا ما تتكفل بها المؤسسات القضائية أو غيرها والتي تخولها المنظومات الدستورية والتشريعية الوطنية للدول المعنية صلاحيات الإشراف على العمليات الانتخابية ومراقبتها والمصادقة على نتائجها". ويرى في هذا السياق بأنه "عندما تتسبب هذه المنازعات من خلال اتساعها واستقطاب القوى على الأرض في الطعن في عمل المؤسسات أو إفشاله وبروز انتهاكات متزايدة للنظام العام وللأمن الوطني للبلد المعني فإن الوضع قد يأخذ شكل نزاع داخلي مع بروز مظاهر علنية للعنف وتهديدات خفية تحمل في طياتها مخاطر محتملة تهدد السلم والأمن على المستويات الوطنية والجهوية والدولية". -الاتحاد الافريقي ولد من خضم إرادة جماعية لكن ولحسن الحظ -يضيف السيد لعمامرة -" فإن التوترات والأزمات التي تتعلق بالمسارات الانتخابية أو تلك المرتبطة بإجراء أو بنتائج الاستشارات الانتخابية هي في كثير من الحالات في طريقها إلى الزوال والذوبان في إطار الديناميكيات الوطنية للتهدئة والمصالحة والتحكيم وهي ديناميكيات تغذيها وتحفزها درجة الفعالية التي بلغتها دولة القانون والحكامة السياسية الراشدة". وحول ميلاد الاتحاد الافريقي اكد الوزير في تدخله بان هذا الاتحاد" ولد من " خضم إرادة جماعية معلنة من قبل الدول الأعضاء للعمل بلا هوادة من أجل تعميق و تدعيم الديمقراطية ودولة القانون والسلم والأمن والتنمية في البلدان الإفريقية اعتبارا لظروفها التاريخية والثقافية وكذا مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وعليه فإذا كانت قيم ذات بعد عالمي يتوجب -يضيف الوزير في ذات السياق- "تكريسها في تصور وقيادة مسار بناء الديمقراطية التعددية" مشيرا إلى ان "جهودا متواصلة وخاصة قد تفرض نفسها في المسارات الهشة للخروج من الأزمات والانتقالات السياسية الحساسة". وقد تدعم الاتحاد الإفريقي "بنصوص مرجعية أساسية في مجال الديمقراطية والانتخابات والحكامة كما في مجال السلم والأمن. وهنالك اعتراف واضح بالتفاعلات المؤكدة وأخرى ممكنة بين كل هذه المجالات الخاصة بالوضع السائد في القارة". كما تدعم الاتحاد ب "مؤسسات وآليات وأدوات ذات صلاحيات ومهمات ووظائف من شأنها الدفع بالتطور الفردي والجماعي للدول الإفريقية نحو تحقيق كامل للمثل والأهداف والمبادئ المسجلة في وثيقتها المؤسسة". من جهة اخرى يرى الوزير بانه مع "الخطر المخيم دائما لعودة ظاهرة الانقلابات العسكرية ومع التهديد الذي يتربص بالوحدة الترابية للبلدان الإفريقية الهشة في مخالفة للمبدأ الراسخ لعدم المساس بالحدود الموروثة غداة الاستقلال وأخيرا مع التحديات المتعلقة بحركات الهجرة والمشاكل البيئية بما فيها التغيرات المناخية توجد مجالات عديدة تدعو الوساطات الإفريقية اليوم إلى لعب دورها من خلال تعبئة المخزون الواسع للحكمة التي تمثلها المرأة الإفريقية وكبار شخصيات هذه القارة". واعتبر في هذا الاطار بان "الوقت يبدو مناسبا جدا لتوجيه نظرة استقرائية واستشرافية في آن واحد في مسار إفريقيا سواء من وجهة نظر نقاط القوة أو نقاط الضعف المسجلة في المسارات الوطنية أو في ما يخص أهمية وفعالية العمل الجماعي الذي طوره الاتحاد الإفريقي ومجموعاته الجهوية في مجال دعم الديمقراطية والحكامة الراشدة وكذا في مهمة الوقاية وتسوية الأزمات والنزاعات". ويرى بان 'التفكير الجماعي المعمق الذي باشره مؤتمررؤساء الدول وحكومات وكذا مجلس السلم والأمن للإتحاد الإفريقي حول الإشكاليات المرتبطة بالحكم الراشد والسلم والأمن مطالب بإيجاد أجوبة لمجموعة واسعة من التساؤلات ذات الطابع العقائدي والسياسي والعملياتي". وأكدد السيد لعمامرة في هذا الاطار قائلا ان " تبادل الآراء الحالي بيننا يبدو واعدا بشكل خاص لإثراء هذا التفكيرالجماعي بمساهمة ثلاثية الأبعاد متمثلة في الاستقلالية والخبرة والأمل". وبالمناسبة أعرب السيد لعمامرة عن خالص عرفانه للرئيس ماكي سال على "ما بذله من جهود في سبيل التسوية السلمية للنزاعات في إفريقيا وعلى استعداده الدائم لقيادة دؤوبة لوساطات أخرى جديرة بالتنويه". وجدد الوزير للرئيس ماكي سال مواصلة التعاون الجزائري التام ناقلا له في نفس الوقت "كل التحيات الأخوية المقرونة بالتمنيات بالنجاح لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة الذي يتجسد اهتمامه بالإشكالية المطروحة على هذه الدورة من خلال جهوده المضنية وإنجازاته الفريدة من نوعها والمعلومة لدى الجميع".