رحل الشاعر والروائي مولود فرتوني من تمنراست بعشاق الأدب والكلمة بعاصمة الأوراس مساء أمس الثلاثاء إلى عمق تراث التوارق عبر روايته "سرهو" . واكتشف الحضور عالم الرجل الأزرق الذي قال فرتوني فيما يخصه بأن "المرأة فيه ومنذ الأزل ثابت أبدي يمثل الحضور الدائم فيما يعتبر الرجل الغائب الميت الذي يخرج وكثيرا ما لا يعود حيث تقضي عليه عادة الصحراء أو العطش أو الحروب" مضيفا أن المرأة اليوم ما زالت تحتفظ بنفس المكانة التي كانت تحظى بها في قبيلة الأهقار أو تمنغست أو التوارق بالأمس. وكان اللقاء المميز بدار الثقافة محمد العيد آل خليفة بمدينة باتنة خلال جلسة حميمية من تنظيم جمعية شروق الثقافية احتفاء بضيف الأوراس الذي أبحر بمتتبعي موعد الجمعية الأدبي نصف الشهري في أغوار المجتمع التارقي أو مجتمع إيموهاغ الذي قال الأديب أن "ثقافته ضاربة في أعماق الطاسيلي" . وتحدث فرتوني بعشق كبير عن تمنغست كما أسماها المدينة المسكونة بالحكي والسرد والأساطير أيضا التي ما زالت حاضرة في جلسات الشاي وطقوسها التي تتقنها الراويات من النساء وتنفردن بأسرارها مذكرا بأن "حلقاتهن الحميمية التي تحكي فيها النسوة عن كل تفاصيل حياتهن ممنوعة عن الرجال ولا تتسلل إليها سوى حبات الرمل". وذكر المتحدث بأن كلمة "سرهو" التي اختارها عنوانا لروايته لها مدلول لغوي متعدد وتعبر عن أوجه مختلفة للإنسان الترقي المهووس بالجمال والفضيلة والمروءة ومن يحمل هذه الصفة في مجتمع إيموهاغ أو المجتمع التارقي هو إنسان محبوب ومقبول ولا يمكن أن يخطأ في حق الآخرين . وتحكي هذه الرواية قصة ميمون المعلم التارقي المتخرج من الجامعة الذي يتزوج أميناتا خالة تينهينان ابنة أخيه الصغيرة التي فقدت أبويها في حادث مرور حيث يغوص الكاتب من خلال عشقه لأميناتا وتعلقه بالصغيرة في ماضيه البعيد على وقع التيندي والإمزاد ليسرد بطريقة مشوقة تراث المنطقة . ولم يخف فرتوني الذي تعد سرهو باكورة أعماله الروائية بأنها تحمل هموم المثقف في مدينة تمنغست (وهو الاسم الصحيح كما قال لتمنراست) بعد التحول وكانت تعاني من متاعب الانتقال من القرية إلى المدينة ومن القبيلة إلى المجتمع الحضري دون إغفال تراثها العريق وثقافتها الشفهية التي ما زالت المرأة الحارس الأمين لها بعد أن كانت معلمة التيفيناغ الأولى وحفظت حروفها من الزوال طوال قرون عديدة . وعلى الرغم من أن "سرهو" صدرت سنة 2014 عن دار نشر مزوار بوادي سوف إلا أن عشاق الأدب بباتنة أحبوها واستمتعوا ببعض قصصها على غرار (فضيماته) اكتشفوا من خلالها تراث إيموهاغ أو المجتمع التارقي الحافل بالقصص والأساطير وأيضا بالأشعار النسائية الرقيقة. وكانت الجلسة التي حضرتها "وأج" حسب الشاعرين الدكتور طارق ثابت والأستاذ عمر خزار صحراوية بإمتياز لم ينقصها سوى إبريق الشاي لكن أنغام عود الفنان عبد الرؤوف عمورة أضفت عليها لمسة سحرية جعلت الحضور يحس وكأنه يداعب حبات الرمل الذهبية.