تحتفظ ذاكرة مجتمع إيموهاغ( مجتمع التوارق) الشعبية والجمعية بالكثير من القصص والأساطير والخرافات التي جعلته ه من المجتمعات الأكثر غموضا وجاذبية في نفس الوقت وتتراوح هذه الأساطير بين قصص الحيوان وقصص البطولات الخارقة كما في كل المجتمعات. بقلم :مولود فرتوني القصة الأولى أماملن دلياس(أماملن وإلياس) ملخص القصة: هي أطول قصة شفهية في مجتمع ايموهاغ (ن-هقار) إذ يتطلب الأمر لسماعها كاملة ما يزيد عن خمس ساعات بها العديد من القصص التي بطلها كل من أماملن وابن أخته إلياس أول الأمر تتحدث عن الأقوياء ولعل امر أماملن الخال الذي بلغ من العمر مئة عام ولم ينهزم في حياته في معركة ولم يتغلب عليه أي رجل هو بداية القصة وأخذ يفتخر بها فهو زعيم اسباتن (قدماء إيموهاغ) أخذ يتفاخر بأنه الرجل الذي لم ولن يهزم في أي معركة تذكر ولا يفوقه احد في الذكاء، وكرر هذا الكلام أكثر من مرة حتى أن الكل بدأ ينزعج من كلامه مما حدا بالعرافة أن تضرب الرمل وتقول لها سيولد فتى من صلبك أو من صلب اخواتك سيفوقك ويتغلب عليك،هذا الكلام بدأ ينغص عليه حياته وفكر فيه جديا فهو الزعيم الأوحد في كل اصقاع تينيري سيولد من ينتزع منه هذه الزعامة عليه التفكير فيما يحول دون ذلك ولأنه الزعيم قرر أن كل ولد يولد ذكرا من اهل بيته مصيره القتل وهذا قرار ينطلق من كريزما زعامته ولا مجال لمناقشته وذلك ما حدث واستمر الحال هكذا إلى أن حدث أن أنجبت اخته مع خادمتها في نفس الليلة فقامت باستبدال ولدها بولد الخادمة وحدث أن انطلت عليه الحيلة وقتل ولد الخادمة بدل الياس الذي نشأ عند الخادمة،وبقى اماملن معتقدا أنه الوحيد القوي الذكي بأهقار ولم يتمكن احد من حل احاجيه (تينزورين) ولا أحد استطاع التفوق على خططه وحيله واخذ يعلن تحدياته في كل مرة ولم تحل،أما إلياس فكان يكبر في المرعى مع الغنم وبدأ نبوغه منذ طفولته وظهرت علامات قوته ولكن ذلك بعيدا عن الياس فهو في المرعى بعيدا عن مضارب الخيام وأماملن لا ينظر له إلا على اساس انه عبد لا غير،ومرة كان يرعى الاغنام بقرب سفوح جبل أدريان وراى مجموعة من الجديان الصغيرة حادت عن الجادة فقام بمناداة صديقه ان يحول بينها والطريق ولكنه لم يسمعه وهب غاضبا وضرب جانب الجبل فوقع جزءا كبيرا منه وحال بين الطريق ومجموعة الجديان الصغير أمه(الخادمة) رأت ذلك وخافت عليه ونادته وأخبرته ان لا يكرر فعلته هو نفسه لم يصدق مامدى قوته وبقى مذهولا ولكن امه حذرته وقالت له لو سمع السيد بما فعلت سنهلك جميعا،وهكذا تأجل ظهور الياس البطل وبدأت حكايته تأخذ منحى آخر ولكن الامور لا تظل مخفية مدة طويلة لا بد لها من الظهور،ففي مرة من المرات اطلق أماملن أحجية جديدة وبدأت تتناقلها الصحراء إلى أن وصلت لإلياس وقام بحلها لما سألته احدى العجائز الراعيات عنها وذهبت واخبرت أماملن هنا ازداد قلقا وقال للعجوز لا يمكن أن تكوني انت من حلها لا يمكن ولما ضغطت عليها اخبرته انه احد خدمك من حلها وهنا تأكد ان هذا لن يكون الا ولد من اولاد اخته والأمر لا يحتاج لكبير تفكير،وذهب للمرعى لرؤية هذا الفتى وما ان رأه تهيبه وتأكد أنه تعرض لمكيدة ما ولكن تعامل معها بذكاء وتظاهر أنه لا يعرف وعمل على ايجاد العديد من المكائد لايقاع الفتى ولكن لا فائدة في كل مرة ينجو الفتى ومن تلك المكائد أن ارسله مع احد عبيده لأرض قاحلة جرداء لا ماء فيها واخبر العبد أنه قد خبأ له الماء في مكان معلوم عليه فقط ان يغافل الياس او يدعه ينام ثم يقوم بالذهاب لشرب الماء،وبقي العبد مدة مع الياس على تلك الحال ونفذ ما معهم من ماء ولكن العبد لم يتأثر بالعطش كان يتسلل لمكان الماء ليلا بينما إلياس نائما ومرة الايام ففطن الياس إلى العبد الذي لم يتأثر بالعطش وانه ينهض ليلا ويغيب مدة ثم يعود،وفكر في تقفي أثره ولكنه عدل عن تلك الفكرة وقام باقناعه بدهن رجليه ليلا لأن الدهن ينفع الأرجل ودهن نعليه ايضا ودون أن يفطن العبد أنها حيلة لتقفي أثره ،وقام العبد بحركته المعهودة وعاد وعند الصباح ذهب الياس وتتبع خطواته التي علمها الدهن الذي كان على رجليه ونعليه ووجد مكان الماء وقام بنقل القرب من مكانها واخفى كل العلامات التي كان وضعها اماملن للعبد لأجل أن يشرب ،وهنا انقلب السحر على الساحر وبدأ العبد يعاني من العطش وكاد أن يهلك ،وقام اماملن بزيارة لهما ووجد العبد في حل يرثى لها من شدة العطش هنا فطن أن ذكاء إلياس غلب ذكاء العبد وقام بإرساله في مهمة أخرى وهي أن يواجه اعداء القبيلة في الجهة الشمالية ومع ذلك قام الياس بهزم الأعداء وغنم منهم الكثير من الأغنام واخذ في كل مرة يقوم بتكليفه بمهمة ومع ذلك يقوم بها بنجاح رغم صعوبتها إلا أن صارت سيرته على كل لسان وقام إلياس باختراع رموز يكتب بها حروف تيفيناغ والتي قام بكتابة قصته على صخور تاسيلي وإلى الآن قصصه مكتوبة على صخور تاسيلي القصة الثالثة كدية أجنون أما الحكاية الثانية رويت على لسان عدة شيوخ مرتبطة بجبل أودان أو ما يعرف ( بكدية أجنون ) وقيل أنه جبل مسكون بالجن حسب ما يعتقد بعض المرشدين للسياح حيث أنهم يقولون أن مجرد المرور بجوار الجبل يبعث فيك رهبة ويتحدث البعض عن سماع إيقاع موسيقى تيندي ويحكي البعض أن سفوح الجبل وجداول جريان المياه غير الدائمة مليئة بنوى التمر وهي دلالة أن حياة كاملة وصاخبة تعمر هذا الجبل وهو عالم الجن الذين يسكنون الجبل وتلك النوى تبقت من أكلهم للتمر، والوصف الذي وصلنا عن هذا الجبل يتحدث عن فوهة بركان خامد وداخل هذه الفوهة توجد واحة نخيل استطاعت أن تجد وسطا ملائما لتنبت وتنمو ويحدث الرواة أن هذا الوسط لا يستطيع بشري أن يعيش فيه . القصة الثانية إديهي نانلا (وادى الحنة) من قصص جبل أودان بمنطقة إديهي نانلا بمعنى( واد الحنة )1 فلنسميها نسبة لمنطقة موجودة في المكان ذاته ( تيقديت نابيك) أحداث الرواية على لسان راويها تقول : أن رجلا نزل بأغاريس (سهب صغير) بواد إديهي نانلا نزل عن حصانه ورأى امرأتين من الجن واحدة تمشط للأخرى شعرها ، وراقبهما على حذر حتى تأكد أنهما فعلا موجودتان وهو لا يتخيل ذلك ، فعزم على أن يمسك واحدة منهما مهما كلفه الأمر وخرج عليهما بحصانه وطاردهما وانطلقت كل واحدة في اتجاه لتضليله ولكنه ظل على اثر واحدة حتى أدرك حصانه شعرها الطويل وتوقفت بعدما دهسه الحصان لأنه كان يتماوج خلفها وأمسك بها وحملها معه إلى دياره، واكتشف أنها لم تكن تتكلم ولكنها تفهمه إن أشار إليها فاتفق معها على الزواج فقبلت ذلك وعاش معها مدة فأنجبت له طفلين جميلين رغم السعادة التي أدخلها طفلاه إلى قلبه بقي يتمنى أن يتكلم مع زوجته ويشاورها وتشاوره وذهب إلى الفقي2 ( الحكيم أو الطالب أو العارف) وأخبره بقصته وأشار عليه الحكيم أن أمسك بأعز الطفلين إلى قلبها وتظاهر بأنك ستذبحه وأخبرها أنها إذا لم تتكلم ستذبحه واعمل على ذلك العزم، ولم إنحنى على الصغير بدأت تتمم بأصوات غير مفهومة ثم تقيأت قطعة دم كبيرة وبعد برهة نطقت قائلة : سأتكلم ... سأتكلم فلا تذبحه وتكلمت وقالت له سأتكلم معك ولكن أوصيك بثلاث وصايا لا تقدم لأبنائي الطعام الماكث أكثر من يوم ولا تقدم لهم آخر الماء المتبقي في القرب وأن لا ينام أبنائي في الأماكن القذرة فقبل وصاياها وذهب للحكيم وأخبره أنها تكلمت فقال له الحكيم وأزيدك وصية رابعة وهي أن لا ترمي التراب في وجهها 1مهما حدث حتى ولو غاضبتك ، وهكذا عاش معها بشكل طبيعي واستمرت بهم الحياة ونسي أمر الوصية تماما بل أن عقيلته جنية ، وفي غفلة منه حدثت مشادة كلامية وقام برمي التراب في وجهها ، وفي لمح البصر اختفت الزوجة كأن لم يكن لها وجود. انتهى وتعتمد القصص على نهايات مفتوح وخصوصا هذه المربوطة بعالم الجن في المسرود الحكائي للمجتمع التارقي وفي لذة السرد تنهار القصة وتنتهي. ويستطرد راوي القصة على أنها برغم خرافيتها حملت لنا بعض العبر عن أدبيات التنشئة لدى مجتمع إيموهاغ ، كعدم أكل الطعام الباقي من فضلة ليلة ، وعدم شرب المياه المتبقية في آخر القربة لأنها تضر من جراء ما تخلفه القربة من شويعرات وبقايا وترسبات مائية ، وذكرت عدم المبيت في الأماكن القذرة ، كما أشارت للطريقة التي يستعملها التوارق في احتقار الآخر وهو رمي التراب في وجهه وبذلك عدم رمي التراب في وجه من تحترم . القصة الرابعة جبل اودان ومن الروايات العديدة التي سمعتها على لسان بعض الشيوخ رواية تقول : أن رجل من التوارق كان مسافرا وأدركه الليل في جوار جبل أودان فقرر المبيت ولما بدأ يحضر نفسه لما عزم عليه سمع حركة ونشاطا دلالة على أن قبيلة تخيم بالجوار فتقدم من مكان الحركة فوجد قبيلة كاملة تقيم أفراحها على سفح الجبل ناصبة خياما جميلة حمراء أفرشة مزركشة متنوعة وتقدم منه الشيوخ ورحبوا به وأدخل للمضافة ورحب به وأعد له مكان المبيت ولما آن وقت الطعام جاءه شيخ كبير وقال له : سيقدمون لك الطعام ولكن عليك أن تحرص على عدم لفظ الكلمة المحظورة (........؟ ) أخذ الرجل يفكر فيما عرض عليه الشيخ وينظر في القبيلة وفي كل مقتنياتها. من الخيام للأواني للأفرشة المزركشة كل شيء كان جديدا لم تنل منه الأوساخ ولم تعقله ذرة رمل ، حينها تأكد أنه نزل ضيفا لعالم الجن ، فقام وتخير أحسن فرش كان أمامه وتقول الرواية أنه تخير حمبلا مسبوكا وجميلا وربطه بحبل إلى جمله وربط الجمل إلى سارية نخل وربط نفسه بنفس السارية ثم قال :بسم الله الرحمن الرحيم فهبت زوبعة وأحالت تلك القبيلة بكل ما فيها إلى سعفات نخل وبدأت تحمل الجمل وتنزله ، ترفعه وتنزله والرجل تثبت به وهو يردد بسم الله الرحمن الرحيم إلى أن هدأت العاصفة وغدى المكان قاعا صفصفا كأن لم تكن فيه حياة من قبل ، ولكن الرجل استطاع أن ينجو بجلده وأن يحصل على ذلك الفرش الجميل.... نتائج القصص: من خلال القصة يعتقد معتقد أنها وضعت لأجل إمتاع الناس وفقط ولكن القصة أولا مرتبطة بهذه المنطقة تفادسيت (TAFADIS) والتي هي مرتبطة بجبل أودان وتظهر لنا فلسفة إيموهاغ في توصيل فكرة وجود الآخر والصراع مع هذا الآخر حتى لو كان يختلف عن البشر أي من الجن كما أن اعتبار الآخر ندا يخدم تربية النشء لمواجهة الآخر المختلف التعامل معه على هذا الأساس ولعل الطريف في الأمر أن بعض الحكايات الشفوية تربط وضع اللثام بالجن والأرواح الشريرة فهناك حكاية تتحدث عن تين هينان واللثام لما نزلت بأرض الأهقار أمرت أبناءها بوضع اللثام حتى لا تتسرب إلى نفوسهم الأرواح الشريرة عبر أفواههم وأضافت لهم تعويذة خميسة 1 أما إذا ما حاولنا استقراء الأسباب التي جعلت مجتمع إيموهاغ يحيط نفسه بمجموعة من الأساطير منها مثلا حماية تراثه المكتوب على السطور من عوامل التخريب ومن المتطفلين التي طالت مجموعة من اللوحات المكتوبة على الجبال من جراء تكالب السياحة عشوائيا الأجنبية والمحلية ، فلو لا حظنا الكتابات الموجودة على صخور تاسيلي ن- زجر أو تاسيلي ن- هقار أو تاسيلي ن- تمسنا لكان مكتبة بحق ولعل في مكتبة تكزيرت ( TIGZIRET ) بمنطقة أكدز من المعلومات الكثير من تاريخ التوارق وخصوصا أنها حفت بسرية تامة كي لا تنهب أو تخرب مثلما حدث هي أهقار وآزجار وهي مكتبة مموهة ولا يصل لها إلا كبار السن عن طريق قراءة علامات وضعت بحروف تيفيناغ للوصول إليها ، ولعل من الأسباب لإنتشار هذه القصص والأساطير لوعي الشيوخ قديما بضرورة حماية هذا التراث من المخربين المتطفلين وذلك هو حد علمهم ومنتهى اجتهادهم * 1 سردها الشيخ علي تقار في بيت عبد الكريم توهامي ( المدعو خوجة ) بحي لحوانيت بتمنراست يوم 13 فيفري 2008 لبرنامج إذاعي للإذاعة الوطنية وبحضور الكاتب الذي نقلها من على لسان السارد * 2 الفقي بلغة إيموهاغ هو الحكيم أو الطالب أي العارف بأمور الدنيا والدين والواضح أن الكلمة من المعجم التارقي ما بعد الإسلامي لأنها مشتقة من كلمة الفقيه بل هي جزء من كلمة الفقيه وما عرف عند إيموهاغ قديما كلمة أماسافار أي المداوي أو من عنده الدواء ومصدر الكلمة أسفرأي الدواء وهذا من استنطاق الكلمة فحسب وتتبع حفرياتها * 3 وهي أن يقف الإنسان منك مسافة ويرمي التراب في وجهك دون أن تلمسك وهي طريقة يستعملها الكبار لتأنيب الصغار أو احتقار من قام بفعل غير لائق عند إيموهاغ.