سؤال : تنعقد الدورة الثالثة للجنة الحكومية المشتركة الجزائرية الفرنسية رفيعة المستوى يوم 10 أبريل المقبل بالجزائر. هل تعتقدون أن التعاون الجزائري الفرنسي قد انتقل من النموذج التجاري إلى نموذج منتج يعود بالفائدة على الطرفين؟ جواب : أرى أن نموذج العلاقة بين البلدين يشهد تحولا تدريجيا بالانتقال فعليا من علاقة تجارية تقليدية ( بمعنى تصدير/استيراد) الى علاقة جديدة قوامها التعاون و هذا يعني أنه يتميز أكثر فأكثر بثلاث ظواهر: - استراتيجيات للاستثمار في الجزائر من طرف المتعاملين الفرنسيين. تعتبر فرنسا أول مستمثر في الجزائر في أغلب قطاعات الاقتصاد الجزائري. - مشاريع شراكة مهيكلة موجهة لتنمية الاقتصاد الجزائري التي أولي لها أهمية كبيرة من خلال العلاقة الدائمة مع نظيري بشير دهيمي: 1/ في التكوين المهني المرتبط بحاجيات و تطلعات نسيج الانتاج الجزائري. 2/ في الميادين الأساسية لمسار بعث الصناعة و هو من بين أهداف السلطات الجزائرية: التقييس و القياسة و نوعية الملكية الفكرية. 3/ في مجال الدعم التقني و الإنتاج المشترك في نشاطات و ميادين مختلفة (قطاع الصناعات التحويلية و الصناعة الغذائية و النقل و الصحة و غيرها). - تطوير علاقات ثقة بين المتعاملين الفرنسيين و الجزائريين باعتبارها ضرورية لتحقيق مشاريع هادفة لبلوغ الامتياز و ادماجها ضمن منظور طويل الأمد. و لكن الطريق لا يزال طويل أمامنا و يتعين التعجيل بهذه المرحلة الانتقالية من نموذج إلى آخر. إن التحولات العلمية و الصناعية الكبرى الجارية و العولمة تجعلنا نتعلم أمرا على الأقل و هو أننا نربح أكثر حين نعمل معا. إن المشاريع الجارية حاليا في المجالات التي ذكرتها هي حاملة لمستقبل واعد بالنسبة للبلدين. سؤال: تم إطلاق ديناميكية حقيقية منذ إعلان الجزائر المؤرخ في ديسمبر 2012 بالنظر إلى عدد الاتفاقات الموقعة و أخرى قيد التوقيع. هل تعتبرون أن العلاقات الاقتصادية الجزائرية-الفرنسية بلغت مستوى استثنائي و ما هي، في اعتقادكم، القطاعات الأخرى التي ستدمج عن قريب في هذا التعاون؟ جواب: نعم، هناك ديناميكيات جديدة حيز التنفيذ، لقد قدمت توضحيات في الشأن تجسد فعلا إعلان التعاون و الصداقة الذي وقعه الرئيسان في ديسمبر 2012 بالجزائر العاصمة. وبالنظر إلى المهمة التي كلفت بها، لدي مقاربة جد تجريبية أحاول من خلالها لقاء المقاولين الجزائريين في المناطق العديدة من البلد و كذا جامعيين و مسؤولين جمعويين و غيرهم، و ذلك بتفضيل مسعى يتمثل في الإصغاء و الفهم و تحديد الحاجياتو التطلعات و المشاريع المحتملة. أسفرت هذه اللقاءات العديدة منذ أكثر من سنتين 3 عناصر أساسية تتمثل في: 1-يعتبر الفاعلين الجزائريين على تنوعهم من الباحثين عن فرص العمل مع المتعاملين الفرنسيين 2/ جميع قطاعات الاقتصاد معنية بالنظر إلى حاجيات البلد: الصناعات التحويلية و الفلاحة و الصناعات الغذائية و التوزيع و الرقمنة و البيئة و النقل بالسكك الحديدية على وجه الخصوص و اللوجيستية و الصحة و التطوير العمراني و الطاقات المتجددة و العقار و الفندقة و الصيد البحري و كذا مجالات هامة جديدة على غرار التسلية و السياحة التي تشكل تطلعات متزايدة للمواطنين الجزائريين 3/ تطلعات رؤساء المؤسسات -خصوصا المؤسسات الصغيرة و المتوسطة و الصناعات الصغيرة و المتوسطة العديدة عبر التراب الجزائري- كبيرة جدا لاسيما في مجال تطوير كفاءات الأجراء و مؤهلاتهم و التحكم في المهن +التقليدية+ في شكل مهن جديدة. يحرص رؤساء المؤسسات الجزائرية الذين التقيت بهم على ديمومة مؤسساتهم ويدركون المنافسة المتزايدة و الدولية و بالتالي ضرورة تفادي عزلهم و إقامة شراكات طويلة المدى تسمح لهم بتطوير عملهم في الجزائر و التفكير في الاستثمار في افريقيا و في أوروبا: و هنا أيضا، تحمل المشاريع القائمة بين الجزائريين و الفرنسيين كل معناها. سؤال: على النقيض، لا يزال هناك بعض التحفظ أو قلة الاقبال لدى المتعامليين الفرنسيين على السوق الجزائرية. ما هو السبب في رأيكم و كيف يجب مواجهة الوضع؟ جواب: سؤالكم يثير رد فعل مزدوج واحد عام و آخر محدد. بشكل عام لا بد من تحديد سياق تطور نسيج الصناعات الصغيرة و المتوسطة الفرنسية التي كانت عبر التاريخ تركز بشكل كبير على السوق الداخلية الوطنية بالنسبة لمعظمها و التي حال حجمها الصغير دون ولوجها السوق الدولية و اضطرت مع نهاية الاستعمار الفرنسي و انشاء المجموعة الاقتصادية الأوروبية ثم الاتحاد الأوروبي إلى مواجهة المنافسة الألمانية و الإيطالية و الاسبانية...قبل تثمين مزايا السوق الأوروبية الموحدة مما سمح لها بتسجيل قفزة كان لا مناص منها حتى لا تزول و تندثر من حيث النوعية و الابتكار و الكفاءة و التسويق. لكن ذلك لم يمنع المئات منها بالاستمرار في التمركز في دول المغرب العربي، لا سيما في المغرب و تونس و هما البلدين اللذين اختارا منذ عدة عشريات جعل اقليميهما أكثر استقطابا للاستثمارات الأجنبية المباشرة. و يمكننا ملاحظة ذلك من خلال الأرقام: فإذا ما تناولنا تطور احتياطي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في دول شمال افريقيا (معطيات ندوة الأممالمتحدة للتجارة و التنمية)ما بين 2009 و 2014 ماذا سنلاحظ؟: نلاحظ أن "احتياطي 17 مليار دولار في 2009 بالنسبة للجزائر ارتفع إلى 7ر26 مليار في 2014 و انتقل خلال نفس الفترة بالنسبة للمغرب من 5ر42 مليار دولار إلى و 52 مليار دولار و بالنسبة لتونس التي يقل عدد سكانها بأربع مرات عن سكان الجزائر فان احتياطي الاستثمارات الأجنبية المباشرة الذي لم يتغير عموما بلغ 32 مليار فيما ارتفع خلال نفس الفترة بمصر من 67 الى 88 ملياردولار. بالتالي فان التأخير الذي تسجله الجزائر مقارنة بجيرانها يبقى هاما (دون أن ننسى بالطبع العشرية السوداء الفظيعة التي أنهكت البلد و عرقلت تنميته) و الجزائر "محقة في التركيز على الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خصوصا عبر مشاريع الإنتاج المشترك حيث أن هذه المشاريع كفيلة بالسماح لها بتطوير اقتصادها من حيث النوعية و الكفاءة و الابتكار و كذا على المستويين التكنولوجي و التنظيمي، و هنا يتعين على المتعاملين الفرنسيين أن يسجلوا حضورهم. رد فعل استثنائي: عندما أسعى لتقييم الصناعات الصغيرة و المتوسطة الفرنسية في مختلف ربوع البلد (خلال الأشهر الأخيرة توجهت على سبيل المثال إلى بوردو و مرتين إلى ليل و دانكيرك و ثلاث مرات إلى مرسيليا و سأزور عن قريب غرونوبل و مونبوليي...)دون أن أنسى إيل دو فرانس حيث يتركز جزء هام من النسيج الانتاجي لفرنسا إلى جانب قدراتها في مجال البحث، ألاحظ منذ سنتين اهتماما ما فتئ يتزايد بالنسبة للجزائر. لأمر واضح جدا، لا سيما بالنسبة لجيل من المقاولين و المقاولات الذي يربط البعض منهم علاقات مباشرة نوعا ما بالجزائر. بالتالي فان الأمور بصدد التغيير لكن الأمر ليس جلي بعد و إن كانت التحولات قائمة. و على سبيل المثال فان الملتقى المقبل للشراكات الجزائرية-الفرنسية الذي تنظمه بزنس فرنسا (البعثة الاقتصادية لسفارة فرنسابالجزائر) يومي 10 و 11 أبريل المقبل بالجزائر العاصمة من شأنه أن يساهم في تعبئة العديد من المؤسسات الفرنسية في المجالات الهامة بالنسبة للاقتصاد الجزائري على غرار الصناعة الغذائية و المجال الرقمي و الصحة و النقل. سؤال : لطالما كانت القاعدة 51/49 محل انتقاد. هل تعتبرون هذه القاعدة حجر عثرة أمام مسار التعاون و هل سيكون للوضعية الإقتصادية العالمية تأثير على هذا الوضع؟ الجواب : اتخذت السلطات الجزائرية هذا القرار في نهاية ال2000 و لا يجدر بي الحكم على ذلك. نظريا و فيما يخص آثار اتخاذ القرار من طرف المؤسسات الفرنسية و (ربما أيضا الأجنبية) لم يتم اعتبار القاعدة 49/51 مبدئيا كعنصر محفز لتواجد منتج بالجزائر لا سيما و أن العديد من المؤسسات الصغيرة و المتوسطة الفرنسية تملك أسهما عائلية (كما هو الحال في الجزائر). و بفضل الشرح و التبادل و تحقيق مشاريع شراكة باستحداث شركات مختلطة على أساس القاعدة 51/49 مع الشركاء الجزائريين، من القطاعين العمومي و الخاص، بدأت المؤسسات الفرنسية المهتمة بالتواجد بالجزائر تدرك أهمية وجود شريك جزائري قوي في شركة مختلطة من خلال معرفته الجيدة لمناخ الأعمال و السوق الجزائرية و فرص التنمية الممكنة و هذا بشكل مستديم. و بالتالي فإن الوضع الاقتصادي العالمي المتميز بالتخوف المتزايد يشكل بالنسبة للبلدين عاملا كفيلا بشجيع المؤسسات على العمل معا أكثر. سؤال : من البديهي أن تكون التنمية الصناعية مرفوقة بالضرورة بتنمية للموارد البشرية. كيف تم إدراج حركية التعاون في هذا المسعى من أجل التأهيل على مستوى النوعية و الكفاءة؟ جواب : لا يمكن أن يكون هناك تنمية دون تربية و تكوين و قد جعلت التنمية ضمن الأولويات الثلاثة لمهمتي (إلى جانب الإنتاج المشترك و الدعم التقني للمؤسسات الصغيرة و المتوسطة) المتمثلة في المساهمة في تحسين نوعية التكوين المهني ذو صلة بهدف التنمية الصناعية للبلد. نحن نعمل مع وزارة الصناعة خاصة منذ سنتين من أجل إنشاء أربع مدارس للتكوين المؤهل في مجالات المهن الصناعية و اللوجستيك و التسيير الصناعي و الإقتصاد الصناعي المطبق مع المتعاملين الفرنسيين رفيعي المستوى: مدرسة المناجم بباريس و مدرسة الإقتصاد بتولوز و المدرسة العليا للتجارة (سكيما) و الوكالة المكلفة بالمدن و الأقاليم المتوسطية المستديمة (أفيتام). لقد اجتمعنا الاسبوع الفارط بالجزائر العاصمة لمدة يومين بمبادرة من شركائنا من وزارة الصناعة و المناجم الذين يقومون بعمل جبار مع المتعاملين الفرنسيين الأربعة و المجمعات العمومية و مجمعات خاصة: الأمر يتعلق بمسار عمل جماعي سيكون، بالتأكيد، مثالي بالنسبة للتعاون بين البلدين. نحن هنا لإرساء جسور بين بلدينا