لا تزال عدة مناطق بالبلديات المحيطة بمدينة قالمة وخاصة بومهرة أحمد وهيليوبوليس وبلخير شاهدة على المجازر التي ارتكبها المستعمر الغاشم والمليشيات المسلحة ضد السكان العزل بالولاية ذات يوم 8 مايو 1945 وهي الأعمال الوحشية التي امتدت لما يزيد عن شهر كامل, حسبما ما يذكره شهود عايشوا الأحداث. ويروي السيد توراش محمد البالغ حاليا من العمر 89 سنة جانبا مأساويا من الأحداث التي عايشها ببلدية بومهرة أحمد التي كانت تعرف ب"بوتي" على بعد 7 كلم شرق الولاية وتضم دواويرها ومشاتيها ما يزيد عن 3500 ساكن في ذلك الوقت. وأشار توراش إلى أنه رأى بعينيه كيف قام الفرنسيون من جندرمة ومليشيات مسلحة من قتل جماعي ل 16 أو 17 شخصا من السكان العزل ثم تكديس الجثث فوق بعضها وإحراقها بالبنزين وذلك أمام جسر وادي سيبوس بمخرج البلدية باتجاه بلدية جبالة خميسي. ويقول عمي محمد بأنه كان حينها في سن 17 من العمر ويعمل لدى المعمر " انطوان قوسي" في مستثمرة واسعة معروفة بخصوبة أراضيها بأن هذه المجزرة نجا منها بأعجوبة شخص يدعى بوفلفل. من جهته ذكر السيد قدور بعض تفاصيل الأحداث المأسوية التي عايشها ذات ال8 مايو 1945 بقرية شرفة أحمد المعروفة ب"بلاد غفار" غير بعيد عن بومهرة على بعد 14 كلم عن قالمة وكان حينها لا يتجاوز ال10 سنوات, مشيرا إلى أن أكبر مجزرة شهدتها تلك الجهة كانت قيام المعمر "دوبوا" بقنص 14 جزائريا قدموا من عدة بلديات كعين صندل وبوحشانة ولخزارة حينما اقتربوا من مزرعته الكبيرة بمدخل القرية خاصة والتي كانت مبنية في شكل حصن عسكري وبها برج مراقبة ما يزال منتصبا لحد الآن. ويقول ذات الشاهد بأن صيف تلك السنة حلت مبكرة على المنطقة التي كانت تشتهر بتربية الأبقار وزراعة الكروم والحبوب وقد شرع بعض المزراعين حينها في حصد الشعير والخرطال لكن " جنون الانتقام " والوحشية التي سكنت قلوب المليشيات المسلحة المدعومة بالجيش الفرنسي المستعمر الذي استعمل الشاحنات والطائرات الحربية حولت الأيام التي تلت تلك الحادثة إلى "جحيم " مستعرة على السكان الذين هدمت أكواخهم ومساكنهم وأحرقت حقولهم بكامل الجهة على ضفاف وادي بوصرة. لكن ما عاشته "مزرعة عائلة بن يخلف " الواقعة بنحو 2 كلم فقط عن مركز قرية بلاد غفار في تلك الأيام من شهر مايو يبقى وصمة عار في جبين المستعمر الفرنسي حسبما يذكره عمي قدور موضحا بأن هذه المزرعة التي يمتلكها " عمار بن يخلف " كانت مفخرة للجزائريين في إتقان العمل ومنافسة بقية المزارع التابعة للكولون والذين لم يجدوا من وسيلة لإفراغ مكنوناتهم الحاقدة إلا الهجوم والسطو عليها وإقتراف مجزرة جماعية راح ضحيتها صاحب المزرعة نفسه رفقة 20 أخرين من أطفال ونساء وشيوخ. رائحة الإبادة والدمار والقمع والتقتيل الجماعي وحسب شهادات موثقة للمجاهد ساسي بن حملة الذي وافته المنية العام 2013 فإن رائحة الإبادة والدمار والقمع والتقتيل الجماعي عاشتها أيضا بلدية بلخير المعروفة "بميليزيمو" الواقعة على بعد 2 كلم فقط من مدينة قالمة وهو ما يذكره عمي ساسي بعدما قاد معركة طويلة في مجال إظهار حقيقة مجازر 08 مايو 1945 . وتشير تلك الشهادات إلى أن المليشيات الأوروبية أحرقت مزرعة "المزابية "غير بعيد عن مزرعة أحد أكبر آلات الموت في صفوف تلك المليشيات حينها وهو الكولون إيدموند شمول" بين بلخير وقالمة كما قامت بإبادة جماعية لعائلات الخماسين التي كانت تسكنها أطفالا ونساء وشيوخا ومنهم عائلات قادري وسعايدية. وتفيد الشهادات أيضا بأن مدخل "بلخير" بالمكان المعروف ب"الجسر الصغير" عاش واحدة من أكبر الإعدامات بشاعة تلك التي جرت والتي راح ضحيتها التلميذ "كاتب إبراهيم" ذو ال12 سنة وكذا أمه الحامل في شهرها السادس السيدة "نفسية" وأبوه "محمد" الذي كان موظفا بمدرسة التكوين الفلاحي بقالمة إضافة إلى عشرات المواطنين العزل وقد أحرقت هذه العائلة بعد ذلك بفرن الجير بمنطقة هيليوبوليس". جرائم المستعمر والمليشيات اللأوروبية حسب الوقائع التي عاشتها المناطق المحيطة بمدينة قالمة كثيرة ومأساوية وسقط فيها عدد كبير من الشهداء لكن ما تحتفظ به بلدية هيليوبوليس يتجاوز كل وصف كيف لا وهي التي كان يوجد بها "محرقة بشرية حقيقية" استعملها الفرنسيون لحرق الجثث التي جلبوها من مختلف الأماكن التي قاموا فيها بالمجازر باستعمال ما يقارب 20 شاحنة نقل بضائع كان الجزائريون حينها يطلقون عليها "شاحنات الموت". و تشير وثائق رسمية بحوزة ناشطين في الدفاع عن حقوق ضحايا تلك المجازر إلى أن ما يزيد عن 500 جثة للسكان المسلمين الذين تم إعدامهم صوريا في مايو 1945 أعيد إخراجها من الحفر الكبيرة التي رميت فيها ونقلها بواسطة شاحنات وتحت حماية قوات الدرك الفرنسي نحو فرن الجير الذي كان يستعمل في حرق الحجارة وتحويلها إلى مادة الجير بمزرعة العمر "مارسال لافي" ببلدية هيليوبوليس حيث قام أسرى إيطاليون يعملون لحساب صاحب المزرعة بإضافة أغصان الزيتون للجثث وإحراقها. وتحتفظ الذاكرة الجماعية لسكان مدينة قالمة بالعديد من القصص الأليمة في تلك الأحداث ومنها الطريقة الوحشية التي أعدمت بها السيدة "الزهرة رقي " من طرف المليشيات الدموية بعد قطع أجزاء من جسمها إلى جانب أخويها "محمد وحفيظ" ثم أحرقت بالفرن وهناك أيضا قصة السيد "مومني " الذي "صلب وألصق جسمه بالحائط بواسطة مسامير كبيرة داخل قسم الدرك بقالمة حتى الموت. وتشير الأرقام المقدمة من طرف جمعية 8 مايو 1945 المحلية التي تأسست سنة 1995 إلى أن الحصيلة التقريبية للذين ذهبوا ضحية تلك المجازر البشعة تفوق 18 ألف شهيد من أبناء ولاية قالمة البلديات التابعة لها وهو ما أكده السيد عبد العزيز بارة الأمين العام للجمعية. ويضيف نفس المتحدث بأن أحداث 8 مايو 1945 صادفت يوم الثلاثاء وهو موعد السوق الأسبوعي بقالمة الذي كان يجمع كل سكان المنطقة مضيفا بأن المسيرة السلمية انطلقت من منطقة "الكرمات " التي تقع خارج الصور الذي كان يحيط بالمدينة وشارك فيها أكثر من 2000 جزائري. ويعتبر الأمين العام بأن أحد أهم النجاحات المحققة في مجال تخليد تلك المجازر هو إنجاز النصب التذكارية ل11 موقعا التي ستبقى على ممر الزمان والأجيال شاهدا على بشاعة المستعمر وهي و تتوزع عبر بلديات بلخير وبومهرة وهيليوبوليس و واد شحم ولخزارة وخاصة بعاصمة الولاية التي توجد بها كل من الثكنة العسكرية القديمة وممر السكة الحديدية ومحطة القطار ونادي الكشافة.