سيكون بإمكان المواطنين المتقاضين ابتداء من سنة 2019 الطعن في مطابقة النصوص القانونية مع أحكام الدستور من خلال آلية الدفع بعدم دستورية القوانين التي تم استحداثها ضمن التعديل الدستوري الأخير, و التي يعد "خطوة إضافية في مجال تعزيز حقوق الإنسان" و تعميق الترابط بين مختلف جهات السلطة القضائية. و يأتي استحداث هذه الآلية الجديدة تحديدا في المادة 188 من التعديل الدستوري ل 2016 و التي تنص على أنه "يمكن إخطار المجلس الدستوري بالدفع بعدم الدستورية بناء على إحالة من المحكمة العليا أو مجلس الدولة عندما يدعى أحد الأطراف في المحاكمة أمام جهة قضائية أن الحكم التشريعي الذي يتوقف عليه مآل النزاع ينتهك الحقوق و الحريات التي يضمنها الدستور", على أن "تحدد شروط و كيفيات تطبيق هذه الفقرة بموجب قانون عضوي". و قد شكلت هذه النقطة أحد المحاور التي تطرق إليها رئيس المجلس الدستوري مراد مدلسي خلال مشاركته في أشغال الورشة الخامسة حول موضوع "تفاعل الثقافات في الديمقراطية" التي تنظمها اللجنة الأوروبية للديمقراطية بواسطة القانون (لجنة فينيسيا) التي احتضنتها مؤخرا قبرص, أين شدد على أهمية توسيع الإخطار إلى المواطن المتقاضي عبر آلية الدفع بعدم الدستورية التي سيشرع في تنفيذها بعد سنتين من الآن من خلال قانون عضوي سيحدد الإجراءات الخاصة بها. و أكد السيد مدلسي في هذا الإطار أن تطبيق هذه الآلية من شأنه "تعزيز علاقات الترابط أكثر فأكثر بين القضاء الدستوري و القضاء العادي, بما يسهم في دعم دولة القانون و تجذير الديمقراطية في الجزائر". و بهذا الخصوص, اعتبر المحلل السياسي و المختص في القانون الدستوري عامر رخيلة في تصريح لواج أن تطبيق هذا الإجراء الجديد الذي تعتبر الجزائر البلد العربي الوحيد الذي نص عليه, يعد "مكسبا جديدا في الحياة الدستورية". فبمقتضى هذا النص, سيكون بإمكان المواطن المتقاضي الدفع بعدم مطابقة النصوص القانونية المطعون فيها مع أحكام الدستور, بحيث يتم ذلك أمام المحكمة العليا التي تحيلها بدورها إلى المجلس الدستوري إذا ما تعلق الأمر بقضية تندرج ضمن القانون العام (تجاري, مدني ...) فيما يكون الدفع أمام مجلس الدولة الذي يحيلها بدوره على المجلس الدستوري إذا ما اندرج النزاع ضمن القانون الإداري. و بدوره, أكد العضو السابق في المجلس الدستوري محمد فادن أن هذه الآلية تعد "من أبرز التعديلات التي طرأت على مجال الرقابة الدستورية الذي سيشهد بحكم هذا النص القانوني "تغييرات عميقة", فبعد أن كان الحق في الإخطار مقتصرا على رئيس الجمهورية و رئيسي غرفتي البرلمان و الوزير الأول, منح المؤسس الدستوري --بمقتضى التعديل الأخير الذي طرأ على القانون الأسمى للبلاد-- الحق للمواطنين المتقاضين في الرقابة البعدية أي بعد صدور القانون. غير أن تطبيق هذه الآلية الجديدة تم تأطيره بجملة من الشروط, على غرار أن يتم ذلك في إطار المنازعات المرفوعة أمام القضاء و أن يمس الدفع بالقوانين المندرجة ضمن الحريات و الحقوق, مع العلم أن الإجراء المذكور يمكن أن يمس مادة واحدة أو القانون ككل. و قد ارتأى المؤسس الدستوري تكريس فترة انتقالية تمتد لثلاث سنوات بداية من دخول التعديلات الدستورية حيز التنفيذ , و هي المدة التي تخصص لتحضير القانون العضوي المتعلق بهذه الآلية و تطبيقه قصد "تكييف المجلس الدستوري مع هذا المبدأ الجديد بعد أن تم توسيعه لهذه الغاية, فضلا عن تعديل قانوني الإجراءات المدنية و الجزائية" و غيرها من الإجراءات التي تضمن التطبيق الجيد لهذا الإجراء. و تجدر الإشارة إلى أن المجلس الدستوري يجري مداولاته في هذا الإطار في جلسة مغلقة على أن "يعطي رأيه أو يصدر قراره خلال ثلاثين يوما من تاريخ الإخطار" كما أنه و "في حال وجود طارئ و بطلب من رئيس الجمهورية يخفض هذا الأجل إلى عشرة أيام", مثلما تتضمنه المادة 189 من الدستور المعدل. كما تكون آراء المجلس الدستوري و قراراته "نهائية و ملزمة لجميع السلطات العمومية و السلطات الإدارية و القضائية". للتذكير, اقترن مفهوم الرقابة الدستورية في الجزائر بالمجلس الدستوري منذ أن رأت هذه الهيئة النور في دستور 1963, أول دستور للجزائر المستقلة غير أن ممارسة هذه الهيئة المستقلة للصلاحيات المخولة لها ظلت شبه غائبة إلى غاية دستور 1989 الذي قام بتفعيلها ثم دستور 1996 الذي أقر توسيع صلاحيات المجلس إلى رقابة القوانين العضوية بصفة إلزامية قبل إصدارها و فتح مجال الإخطار أمام سلطة دستورية جديدة متمثلة في رئيس مجلس الأمة. و استمر تعزيز دور المجلس الدستوري إلى غاية التعديل الدستوري الأخير الذي شهد رفع عدد أعضاءه من تسعة إلى 12 عضوا إلى غير ذلك من الإجراءات التي ترمي إلى تفعيل دوره في مراقبة دستورية القوانين و السهر على احترام الدستور.