وجه رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة يوم الثلاثاء رسالة بمناسبة إحياء اليوم العالمي لحرية الصحافة هذا نصها الكامل: " بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين أيتها السيدات الفضليات أيها السادة الأفاضل في مثل هذه المناسبة لا يليق الخوض في الحديث إليكم دون الوقوف وقفة العرفان والامتنان لأولئك الصحافيين الجزائريين الذين رافقوا ثورتنا المظفرة مناضلين بأقلامهم وبأصواتهم وأفلامهم التي شحذت عزيمة شعبنا طيلة كفاحه من أجل استقلاله عبر جريدة المجاهد التاريخية و جريدة المقاومة وصوت الثورة الجزائرية من إذاعات تونس والقاهرة والناظور بالمغرب الشقيق. لقد كانت مساهمة تلكم الأصوات و تلكم الأقلام وتلكم الأفلام في كفاحنا من أجل الاستقلال أداة قوية لجلب قدر من المؤازرة والتعاطف والدعم و المساندة لقضيتنا الوطنية تجاوز نطاقه البلدان الشقيقة والصديقة التي وقفت إلى جانبنا في كفاحنا بكل الوسائل. وعلى سنة الرعيل الثوري من إعلاميينا ناضل رجال ونساء إعلام الجزائر المستقلة نضالا يستحقون عليه تحية التقدير و الإكبار إذ ساهموا بنصيبهم في بناء دولتنا المستقلة طوال عقود من الزمن. أجل في جزائر اليوم التي تزخر بقرابة مائتي جريدة و شتى القنوات التلفزيونية يجب ألا ننسى ما كان مطلوبا من مهنيي الإعلام الذين كانوا قلائل في بلادنا لتشغيل الإذاعة والتلفزيون بعد رحيل المستعمر وإعطاء انطلاقة قوية لوكالة الأنباء الجزائرية. أجل يجب ألا ننسى اليوم كل ما كان مطلوبا من الإعلاميين رجالا ونساء من جهود وتضحيات في غضون السنوات الأولى بعد استقلالنا لكي يتكفلوا بإيصال الأخبار واستنهاض الهمم عبر ربوع بلادنا المترامية الأطراف و هي مساهمة كان لها على قلة الإمكانيات المادية و البشرية مفعول له بال في إنجاح الشروع في إعمار البلاد في مختلف المجالات. أيتها السيدات الفضليات أيها السادة الأفاضل وأنا أخاطبكم حول المسيرة الحافلة التي قطعتها منظومتنا الإعلامية أترحم بخشوع وإجلال على أرواح شهداء الواجب الوطني من رجال ونساء الإعلام الذين بلغ عددهم أكثر من مائة (100) شهيد راحوا ضحايا الإرهاب الهمجي المقيت لا لسبب سوى لقيامهم بمهمتهم الإعلامية مهمة زرعت الأمل في انتصار الجزائر واستعادة عافيتها مهمة أكدت للعالم أن الشعب الجزائري رغم أنه كان في شبه عزلة يكابد ويلات المأساة الوطنية شعب حريص كل الحرص على أمن واستقرار بلاده وعلى إعمارها و تنميتها شعب تمكن فعلا من تضميد جراحه و لم شمله بفضل المولى جل وعلا وبفضل جنوحه إلى سياسة الوئام و المصالحة الوطنية. يحق للجزائر أن تعتز اليوم بما قطعته من أشواط في مجال الإعلام وحرية التعبير. إنها أشواط نسجل فيها تواتر التخرج السنوي لدفعات من بنات و أبناء وطننا في سائر اختصاصات الإعلام. إنها أشواط تميزت كذلك بوضع نصوص تسوغ حرية التعبير و حقوق الصحفيين والمواطنين في إعلام مهني و ما الدستور المعدل الذي تمت المصادقة عليه السنة الماضية إلا شاهد على ذلك كما يشهد على نفس الاتجاه تعديل التشريع الجزائي ليصبح خاليا من أي حكم يعاقب مهنيي الإعلام بحرمانهم من الحرية. لا غرو أن مسؤولية الارتقاء بمهنة الصحافة إلى درجات أعلى من الاحترافية لا تقع على عاتق الدولة وحدها. ذلك أنه يتعين على المؤسسات العامة و الخاصة المخول لها التي تشرف مباشرة على عمل الصحفيين أن توفر لهم المناخ المواتي بعيدا عن أي ضغط كما عليها أن تعمل على مراعاة كل القوانين التي تحكم وتضبط قواعد المهنة مع الالتزام بملاحظات وتوصيات كل من سلطة ضبط السمعي البصري وسلطة ضبط الصحافة المكتوبة حين يتم تنصيبها. هاتان الهيئتان نراهن عليهما في متابعة الخطاب الإعلامي ومرافقته بما يحفظ البلاد من كل استغلال سياسي أو حزبي ضيق وبالشكل الذي يضمن أن تبقى مكونات شخصية الشعب الجزائري رصيدا ثقافيا و اجتماعيا مشتركا في منأى عن الصراعات والخلافات السياسية. و من ثمة ما فتئنا نحبذ أن يتسم الخطاب الإعلامي بالهدوء و الرزانة و الاتزان خاصة و نحن في هذه المرحلة من تاريخ بلادنا نسعى إلى طي المسافة نحو تعزيز مكتسباتنا الديمقراطية من خلال تجديد تركيبة مجلسنا الشعبي الوطني وبعده مجالسنا الشعبية المحلية. يحق للجزائريين و الجزائريات أن يفتخروا بتنوع مشهد إعلامنا المكتوب و المرئي والمسموع والإلكتروني الذي وصلت إليه الجزائر و الذي يجعلنا رغم الانتقادات المجحفة التي تأتينا من بعض الأصوات المغرضة في الخارج جديرين بأن نكون حقا في طليعة الإعلام و حرية الإعلام في فضاءاتنا الإسلامية و العربية والإفريقية. ولكن هذا لا يسوغ لنا أن نغتر بالمشوار الذي قطعناه في مجال حرية الإعلام و إن كنا نعتز به أيما اعتزاز بل لا مناص من مواصلة الجهود لامتلاك الخبرة العالية التي لا تأتي إلا بطول الممارسة والتجربة وبالمعرفة التي ليس لها حدود. فالذي اكتسبناه ما يزال في حاجة إلى المزيد من الإنضاج. كما أن الظروف التي تعمل فيها أسرة الإعلام ما تزال في حاجة إلى التحسين لكي تصل إلى ما يضمنه القانون من حيث حقوقهم الاجتماعية. أيتها السيدات الفضليات أيها السادة الأفاضل في مثل هذا اليوم يملي علي الواجب أن أخاطب أسرتنا الإعلامية من حيث أنها كانت ولا تزال شاهدة على النقلات السياسية و التحولات الديمقراطية التي حققتها الجزائر وعليمة بما يدور حولنا و يتهدد أمننا واستقرارنا و أهيب بها أن تكون على قدر عال من التبصر واليقظة وهي تسهم بنصيبها في مسعى استكمال بناء الجزائر الحديثة والوصول بالصرح الديمقراطي إلى مداه الأرقى على ضوء القيم والمثل والحقوق والواجبات التي جاء بها الدستور المعدل ذلك أن المرافقة الإعلامية الحيادية الموضوعية النزيهة التي يحدوها الوعي والضمير المهنيين من شأنها أن تعزز عمل المؤسسات المنتخبة التي تعتبر حجر أساس في كل عملية ديمقراطية سليمة القصد والممارسة. إن ميدان الإعلام و الاتصال هو من أهم فضاءات المنافسة و محاولة الهيمنة في عالمنا المعاصر و من ثمة فإن جهد الجزائر لترقية إعلامها إنما هو لإثبات وجودنا الحضاري والسياسي في عهد العولمة التي لا ترحم وخدمة لمصلحتنا الوطنية. من أجل ذلك ما انفكت الدولة الجزائرية تعمل على تمكين الصحافة من الاضطلاع بدور محوري في مسار تنميتنا بحيث تصبح فاعلة متفاعلة مع مختلف البرامج التنموية. و لذلك لا مناص من مواصلة الجهود المادية و المعنوية الرامية إلى الإرتقاء بدور الإعلام إلى مراتب أعلى بحيث يدلي بدلوه هو الآخر حسا و معنى في التنمية الشاملة للبلاد و لا يقتصر دوره على نقل الخبر و نشره فحسب و إنما يتعداه إلى صنع الرأي العام بكل مسؤولية و إخلاص و تفان وتعميم الحس المدني وقيم المواطنة. إنه لزام أن يتسع أفق الإعلام الجزائري ويرتقي بحيث يصبح أكثر فأكثر إعلاما مواطنا يسهم في بناء سد منيع يصد كل خطر يتهدد الوطن والمواطن و في الحفاظ على المكتسبات السياسية و البناء الديمقراطي الذي دفعت الجزائر في سبيله الآلاف من الشهداء والضحايا . أيتها السيدات الفضليات أيها السادة الأفاضل إنني كلي ثقة في أنكم رجالا و نساء على اختلاف مشاربكم وتوجهاتكم السياسية تغارون مهما كانت الأحوال والظروف على وطنكم وتحرصون على استقراره و تقدمه لأنه ما لكم من وطن سوى الجزائر وليس لأي منكم مستقبل زاهر خارج الجزائر. من حقكم سياسيا أن تكونوا في صف الأغلبية أو من أنصار المعارضة و هو حق مشروع نص عليه دستورنا بصريح العبارة حق وليد كفاحنا من أجل الاستقلال و جهدنا من أجل بناء ديمقراطية تعددية. ففي كنف هذا التنوع للآراء والأفكار الذي هو سمة العناوين و مصادر الخبر في بلادنا أستنهض حسكم الوطني لكي تسخروا مهاراتكم و احترافيتكم من أجل تقديم خدمات نافعة مفيدة لشعبكم و دولتكم. أناشدكم أن تراعوا دوركم في الحفاظ على استقرار الجزائر ووحدتها والاستمرار في توعية المواطنين بمخاطر الإرهاب وحيال كل الأزمات التي تحيط بنا والمؤامرات التي قد تدبر ضد بلادنا. وأهيب بكم أيضا أن تسهموا في الحفاظ على هويتنا الوطنية الإسلامية العربية الأمازيغية هوية علينا جميعا أن نضعها في مأمن من أي محاولة لتلويثها أو استعمالها ضد وطنكم الجزائر الواحدة الموحدة. أهيب بكم أيضا معشر أعضاء أسرتنا الإعلامية الأفاضل أن تغذوا النقاش حول الرهانات الاقتصادية التي تفرضها العولمة على جميع شعوب المعمورة. إن أي مجتمع مدرك للحقائق الاقتصادية والاجتماعية السائدة في بلاده و مطلع على ما هي عليه في العالم هو مجتمع يمكن له التجند عن علم و دراية للعمل والبناء و التشييد لكي يلتحق بركب المجتمعات المتقدمة. و في هذا اليوم المشهود اليوم العالمي لحرية الصحافة أهيب بكم بوجه خاص أن تتمسكوا بمثل مهنتكم السامية وقيمها وقواعدها مهنتكم التي تظل حتى و إن كانت مهنة لا تخلو من المتاعب مهنة شريفة ما دامت متمسكة بوصف الحقيقة و نقلها بأمانة للناس ولا أحسبكم إلا عند حسن ظن شعبكم أهل صدق وأمانة. هذا و لا أختم رسالتي هذه دون أن أهنئكم بعيدكم العالمي هذا و أهنئ الشعب الجزائري بإعلامه المتوثب إلى بلوغ أرقى مراتب الاحترافية وإلى جعل الجزائر تباهي به الأمم.