بلغت حصيلة ضحايا المظاهرات التي عرفتها مدن إيرانية منذ الخميس الماضي، 21 قتيلا وعشرات الجرحى ومئات المعتقلين بسبب أعمال العنف والفوضى التي رافقتها، وسط تحذيرات الحكومة "بالتعامل بحزم مع مثيري الشغب"، واتهامها لأطراف أجنبية بمحاولة زعزعة الاستقرار والأمن في إيران. وأفادت وسائل إعلام رسمية في إيران، اليوم الثلاثاء، بارتفاع حصيلة القتلى منذ بدء المظاهرات الاحتجاجية التي تشهدها البلاد حاليا، إلى 20 شخصا على الأقل، مشيرة إلى أن متظاهرين "هاجموا مركزا للشرطة في بلدة قهدريجان بمحافظة أصفهان وحاولوا الاستيلاء على أسلحة بداخله، ما أسفر عن مقتل ستة منهم". كما قتل شرطي وأصيب ثلاثة آخرون برصاص مسلح في مدينة نجف آباد بمحافظة أصفهان، وقتل جندي في الحرس الثوري وأصيب آخرون في وقت سابق، كما قتل طفل يبلغ من العمر 11 سنة وأصيب والده. وألقت السلطات الإيرانية القبض على مئات الأشخاص منذ بدء الاحتجاجات، وقال مسؤول في الداخلية أن "السلطات ستتعامل ابتداء من اليوم بصرامة مع كل أشكال العنف والفوضى"، حيث أوردت مصادر إعلامية أنه تم توقيف 450 شخصا حتى الآن بينهم 200 في العاصمة طهران لوحدها. وأعلنت وزارة الأمن الإيرانية، اليوم، اعتقالها عددا من عناصر المعارضة في طهران والمدن المجاورة بتهمة "التحريض على الفوضى وإثارة الشغب"، موضحة أنها "نجحت في تحديد هوية بعض العناصر المثيرة للشغب والمحرضين على الفوضى واعتقال عدد منهم، فيما يجري ملاحقة باقي العناصر قانونيا". وبثت وكالة أنباء فارس الإيرانية، صورا لما خلفته الاحتجاجات في الشوارع الإيرانية تم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تظهر سيارات محترقة وممتلكات عامة مخربة حيث هاجم المحتجون البنوك والمركبات وأحرقوا العلم الإيراني، بينما استخدمت عناصر الشرطة الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه لتفريق المتظاهرين بعد اندلاع احتجاجات جديدة في كرمنشاة وخورام أباد في الغرب، وكذلك في شاهنشهر في الشمال الغربي ومدينة زانغان الشمالية. وقالت الحكومة إنها ستقيد مؤقتا استخدام تطبيقي التواصل الاجتماعي "تلغرام" و"انستغرام" لكبح الأصوات الداعية للاحتجاج، بينما أفادت بعض وسائل الإعلام بتعطل الانترنيت عبر الهواتف المحمولة في عدد من المناطق. روحاني وخامنئي يتهمان "أطرافا خارجية" بإشعال فتيل الاحتجاجات في البلاد وفي تعليقه على المظاهرات الاحتجاجية، أكد الرئيس الإيراني، حسن روحاني، أن "أطرافا خارجية- لم يحددها- تقف وراء المظاهرات الراهنة في إيران"، مشيرا إلى أن التقدم والتنمية في بلاده أثارت غضب "الأعداء". وأوضح أن "التظاهر حق مشروع من حقوق المواطنين، فضلا عن أن هناك حاجة لفتح المجال للانتقادات والاحتجاجات المشروعة"، مضيفا أن الشعب الإيراني يدرك جيدا الظروف الحساسة التي تمر بها البلاد والمنطقة، مشددا على أن "الانتقاد يختلف عن العنف وتدمير الممتلكات العامة". ودعا الرئيس روحاني، الإيرانيين إلى "التحلي بالهدوء وتأكيد الوحدة الوطنية" بوصفها الخطوة الأكثر أهمية في البلاد في المرحلة الراهنة، مؤكدا أن الشعب مستعد للنزول إلى الشارع "للتصدي لمثيري الشغب والفوضى ومنتهكي القانون"، ومبرزا أن "تسوية بعض القضايا ليس بالأمر الهين ويحتاج إلى وقت، وعلى الحكومة والشعب العمل معا لتجاوز هذه المشاكل". وذكر في السياق ذاته، بالدور الذي تلعبه إيران "في القضاء على الإرهاب"، قائلا: إن "لإيران اليوم دور في كل مكان ومنها في قضية السلام في سوريا ومستقبلها والمزيد من الاستقرار في العراق ولبنان والدفاع عن المظلومين". من جهته، اتهم المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، في أول رد فعل له على المظاهرات "أعداء إيران" بتأجيج الفوضى والعنف في البلاد- حسب ما أورده التلفزيون الرسمي الإيراني- مشيرا إلى أنهم "اتحدوا باستعمال كافة الوسائل، السياسة، المال، السلاح وكذا أجهزتهم الاستخباراتية لخلق مشاكل لإيران". واعتبر خامنئي، أن "ما يمنع الأعداء من تحقيق أهدافهم هو الشعب الإيراني". وفي ذات الإطار، وجه أمين مجلس الأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، أصابع الاتهام "للسعودية، بريطانياوالولاياتالمتحدةالأمريكية بالتورط في إشعال فتيل الاحتجاجات في بلاده، موضحا أن "أغلب المنشورات المتعلقة بالأحداث الجارية في إيران على مواقع التواصل الاجتماعي، تنشر من الولاياتالمتحدةوبريطانيا والسعودية". وأشار شمخاني إلى أن الشعب الإيراني "يملك حساسية من تدخل السعودية في الشؤون الداخلية لبلاده"، محذرا الرياض من "رد فعل خطير من طهران على تدخلها". تفاعل دولي مع مظاهرات إيران بين داعم ومتحفظ ..وطهران تدين التدخل في شؤونها الداخلية أثارت المظاهرات الاحتجاجية في إيران، حرب تصريحات بين الرئيس، حسن روحاني، ونظيره الأمريكي، دونالد ترامب، الذي عبر عن دعمه ومساندته للمحتجين في إيران عبر تغريدات متواصلة على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، والتي ذكر فيها أن "الشعب الإيراني العظيم يعاني القمع منذ سنوات ..إنه بحاجة ماسة إلى الغذاء والحرية..ثورة إيران تسلب شأنها شأن حقوق الإنسان". وفي ردة فعلها على تصريحات ترامب، أدانت إيران ما وصفته ب "تدخل الولاياتالمتحدة في شؤونها الداخلية"، وقال المتحدث باسم الخارجية الايرانية، بهرام قاسمي، إن تصريحات الرئيس الأمريكي "التي تتدخل فيما لا يعنيه" ودعمه للاحتجاجات التي وقعت مؤخرا في بعض المدن الإيرانية أمر "انتهازي ومخادع". وفي ذات الإطار، أعربت سوريا عن "إدانتها الشديدة ورفضها المطلق للمواقف الصادرة عن الإدارة الأمريكية بخصوص إيران". وأكدت على لسان خارجيتها عن "تضامنها الكامل مع إيران" مشددة على ضرورة احترام سيادتها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، كما أعربت عن ثقتها في أن "إيران حكومة وشعبا ستتمكن من إفشال المؤامرة". ومن جهتها اعتبرت روسيا أن ما يحصل في إيران "قضية إيرانية داخلية"، مشيرة إلى أن أي تدخل خارجي من شأنه زعزعة استقرار الوضع في إيران هو "أمر مرفوض". كما أعربت موسكو، عن أملها في ألا تتحول الاحتجاجات الحاشدة الراهنة في إيران إلى "عنف حاد"، قائلة : "هذا شأن إيراني داخلي، نأمل ألا يتطور الوضع إلى سيناريو من العنف وإراقة الدماء". وفي السياق ذاته، شدد وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، على ضرورة إجراء طهران "نقاشا هادفا ومشروعا بشأن المشاكل التي كشف عنها المحتجون"، معربا عن أسفه لوقوع قتلى وجرحى ومطالبا المحتجين بالابتعاد عن العنف. وكرد فعل على استمرار المظاهرات في إيران، أعربت الخارجية التركية عن مخاوفها بشأن الاحتجاجات العنيفة التي اندلعت في ايران وحذرت من تصاعد الموقف. وقالت الوزارة في بيان اليوم، إن "أنقرة تشعر بالقلق بشأن تقارير حول انتشار الاحتجاجات التي بدأت يوم 28 ديسمبر في ايران ومقتل أشخاص خلالها". وأكدت أن تركيا "تعطي أهمية كبيرة لحماية السلام والاستقرار الاجتماعي في دولة إيران الصديقة"، مضيفة "في هذا السياق، نعتقد أنه يتعين أن نضع في الاعتبار بيان الرئيس روحاني بشأن حق الشعب في تنظيم مظاهرات سلمية، ولكن لا يجب انتهاك القانون أو إتلاف الممتلكات العامة، كما يجب تجنب جميع الأعمال الاستفزازية والعنف والتصريحات الاستفزازية والتدخلات الخارجية". وأعربت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الاوربي، فيديريكا موغريني، عن أملها في أن "يكون الحق في التظاهر السلمي وحرية التعبير مضمونا بعد التصريحات العلنية للرئيس الإيراني". وتستمر المظاهرات في عدة مدن إيرانية لليوم السادس على التوالي، والتي وصفت بأنها الأضخم منذ احتجاجات "الحركة الخضراء" عام 2009 بعد الانتخابات آنذاك. وبدأت في مدينتي مشهد وكشمير، شمال شرق البلاد، الخميس الماضي، لتجتاح فيما بعد عددا من المدن الأخرى بينها العاصمة طهران، احتجاجا على غلاء المعيشة، وارتفاع الأسعار والتضخم والبطالة، حيث ردد المتظاهرون هتافات مناهضة للرئيس، حسن روحاني. وفي المقابل، خرجت مظاهرات مضادة ومنددة بمن أسمتهم "مثيري الشغب"، وطالبت الحكومة بإصلاحات اقتصادية للحد من التضخم والبطالة وارتفاع الأسعار.