لم يكن استرجاع السيادة الوطنية في 5 يوليو 1962 بالامر الهين أمام غطرسة الاستعمار الفرنسي خاصة من الموالين لاطروحة "الجزائر فرنسية "الذين أسسوا المنظمة المسلحة السرية التي اعتمدت ما بين 1961 و 1962 على العمل المسلح والقتل والتخريب لحرمان الجزائر من تحقيق الاستقلال متسببة بذلك في استشهاد حوالي 2400 جزائري. لقد قامت هذه المنظمة الارهابية الفرنسية التي تأسست في 11 فبراير 1961 باعتداءات وحشية بالقنابل لاغتيال كل من يساند استقلال الجزائر سواء من فرنسيين أو جزائريين، من اجل الابقاء على "الجزائر فرنسية" مستخدمة بذلك كل أنواع الإبادة الفردية والجماعية من الاعتداءات الوحشية واغتيال المرضى داخل المستشفيات، وعمليات الخطف وإعدام السجناء المحكوم عليهم بالإعدام في سجن وهران، وكذا القيام بهجومات بقذائف الهاون والقنابل اليدوية ونيران القناصة من المباني من أجل "اجهاض استقلال الجزائر". وحسب الصحافي المختص في شؤون تاريخ الثورة التحررية منتصر أوبترون فان منظمة الجيش السري الفرنسي الارهابية التي تأسست في 11 فبراير 1961 اعتمدت على "سياسة الأرض المحروقة لوقف تيار التاريخ وحرمان الجزائر من الاستقلال وحرق كل المؤسسات حتى لا تتمكن الدولة الجزائرية المستقلة من رؤية النور وذلك بدءا من حرق مكتبة جامعة الجزائر واغتيال كل من يساند الاستقلال من فرنسيين وجزائريين". و كانت المؤرخة الفرنسية سيلفي تينولت في مايو 2019 بان "مسؤولي مجموعة دلتا التابعة لمنظمة الجيش السري الفرنسي اقترفت عدة عمليات شنعاء وعمياء لم ينجو منها أحد حيث تسببت في استشهاد 2700 شخص من بينهم 2400 جزائريا ما بين مايو 1961 الى سبتمبر 1962 ". كما تم تصعيد العمل الإجرامي لهذه المنظمة على حد تعبير الصحفي أوبترون "بعد التوقيع على وقف إطلاق النار، في 19 مارس 1962 بإطلاق عدة قذائف مدفعية على أحياء سكنية بالقصبة السفلى يوم 20 مارس 1962أودت بحياة 24 شخصا و59 جريحا وتفجير سيارة ملغمة قرب ميناء الجزائر أسفر عن مئات القتلى والجرحى في صفوف العمال (الحمالون)". و ذكر بالمجزرة الرهيبة التي وقعت صباح يوم 2 ماي 1962 قرب ميناء الجزائر التي اقترفتها "مجموعة من المجرمين من غلاة المستعمرين من أعضاء الجيش السري (الفرنسي) الهمجي بالقيام باعتداء وحشي أدى إلى استشهاد 200 ضحية من العمال واصابة مئات الاخرين بجروح" وذلك بتفجير سيارة مفخخة اهتزت لدويها كل أنحاء العاصمة نتج عنها مشهد كله برك من الدماء و القطع البشرية و الأجسام المحروقة و المشوهة ". كما أقدمت هذه المجموعة الارهابية على "الحرق العمدي للمؤسسات منها ما أصاب مكتبة جامعة الجزائر في 7 جوان 1962 حيث أتى على أزيد من 600 ألف كتاب وحرق مكاتب الضمان الاجتماعي، المدارس والمستشفيات ". وأدلى من جهته محمد العيد لشقار بشهادات حية حول المجازر التي اقترفتها مجوعة "دلتا" التابعة للجيش السري الفرنسي من بينها وقوع مشاهد عنف رهيبة في احدى شوارع باب الواد حيث تم حشر فيه الكثير من الجزائريين ورشهم بالبنزين وحرقهم في منظر يعكس وحشية المحتال" . ولم تتوقف مجموعة "دلتا" من هجماتها الوحشية والاجرامية لاسيما بعد الاعلان عن وقف اطلاق الناري بين الجزائر وفرنسا في 19 مارس 1962 حيث استهدفت هذه المرة الجنازات الخاصة بالجزائريين الذين كانوا متوجهين الى مقبرة القطار (الجزائر العاصمة) و ذلك برميهم بالرصاص باستعمال أسطح المباني لباب الوادي. كما كانت هذه الجماعات الارهابية تقوم على متن سياراتها بتخويف وترهيب الجزائريين في الشوارع بطريقة عشوائية برميهم بالرصاص كما أكدته المؤرخة الفرنسية سيلفي تينوا في كتابها "تاريخ حرب التحرير الجزائرية" الى جانب برمجة سلسلة من التقتيل والتنكيل والتعذيب مستهدفة أيضا اطارات في الصيدلة و عملات للتنظيف ومرضى بعيادة "بو فريزيي" بمنطقة بوزريعة. كما كانت هذه المنظمة سببا أيضا في استشهاد ستة مفتشين في سلك التربية الوطنية من مسيري المركز الاجتماعي التربوي من بينهم الكاتب الجزائري الشهير مولود فرعون الى جانب اقترافها في 28 فبرار 1962 جريمة شنعاء باستعمال سيارة مفخخة على مقربة من محل لبيع الحلويات التقليدية بولاية وهران أدى الى استشهاد 80 شخصا ومئات الجرحى. ولم تستهدف هذه المنظمة الاجرامية الجزائريين وحدهم بل اقترفت كذلك جرائم شنعاء ضد الكثير من الفرنسيين لاسيما من المجندين في صفوف الجيش الفرنسي الذين التزموا بمكافحة والتصدي لهذه المنظمة الارهابية. واستهدفت ايضا قضاة ومحاميين وموظفين ومنتخبين وأعضاء المجتمع المدني ومناضلين سياسيين ونقابيين الى جانب قيامها بتصفية رئيس بلدية "ايفيان" كاميل بلون التي تم فيها التوقيع على اتفاقيات ايفيان سنة بعد ذلك في 18 مارس 1962 بسبب قبوله احتضان المفاوضات في مدينته من أجل استقلال الجزائر. كما اقترفت منظمة الجيش السري الفرنسي عدة عمليات اجرامية في باريس من أجل اجهاض مفاوات "ايفيان" وذلك بالقيام بهجومات بقذائف الهاون بتفجير في 17 فيفري 1962 حوالي 20 قنبلة بالعاصمة الفرنسية مستهدفة مبنى نائب رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيوفروي موتلمبير الى جانب القيام ب 15 تفجيرا ارهابيا باحدى ضواحي باريس مستهدفة مسكن أندري مالرو وزير الشؤون الثقافية أنذاك.