بتنظيم الاستفتاء الخاص بتعديل الدستور في نوفمبر 2020, يكون رئيس الجمهورية, السيد عبد المجيد تبون, قد جسد أحد أبرز التزاماته السياسية لتكون هذه المراجعة "التوافقية" القاطرة الرئيسية التي ستجر وراءها إصلاحات أخرى مبرمجة ضمن خطة العمل الرئاسية المؤسسة لجزائر جديدة طالب بها الحراك الشعبي. وقد شكل هذا الاستفتاء أحد أهم الأحداث التي شهدتها الجزائر عام 2020. فبعد إعلانه عن نيته في تعديل القانون الأسمى للبلاد الذي كان على رأس الأولويات التي انطوى عليها برنامجه الانتخابي وتأكيد هذا المشروع السياسي مباشرة بعد توليه الحكم, انطلق سريعا مسار التحضير لهذا الموعد, باتخاذ رئيس الجمهورية, وبعد مرور أقل من شهر على انتخابه, قرار تنصيب لجنة الخبراء المكلفة بصياغة مقترحات حول مراجعة الدستور التي أوكل رئاستها لأحمد لعرابة. ومنذ البدء, شدد الرئيس تبون على أهمية إجراء مراجعة معمقة للدستور, لكونها "ستتيح تكريس الإرادة السيدة للشعب وطموحاته المشروعة" وهذا من خلال تنظيم استفتاء شعبي اختير له تاريخ الفاتح من نوفمبر, لما يحمله من رمزية تجعل منه منعرجا مصيريا في بناء جزائر جديدة, على غرار ميلاد الجزائر المستقلة التي مهدت له ثورة التحرير المجيدة التي انطلقت شرارتها ذات أول نوفمبر من سنة 1954, وهو ما عكس "تواصلا طبيعيا" بين هاتين المحطتين من تاريخ الأمة. وتجسيدا لذلك, تم طرح مشروع التعديل الدستوري للاستشارة الشعبية بعد أن كان محل مشاورات واسعة مع الفاعلين في الحياة السياسية والمجتمع المدني وتمريره على غرفتي البرلمان للمصادقة, لتخرج الجزائر, غداة الاستفتاء, بدستور جديد جاء ل"يصون البلاد من كل أشكال الانفراد بالسلطة ويضمن الفصل بين السلطات وتوازنها ويدعم أخلقة الحياة العامة ويحفظ حقوق وحريات المواطن", مثلما كان قد أكده الرئيس تبون. كما أتى الدستور, في صيغته الجديدة, لإحداث القطيعة مع ممارسات سابقة كان قد ندد بها الحراك الشعبي "المبارك و الأصيل" الذي كان جذوة هذا التغيير و المحرك الأساسي لحدوثه, لتعود الكلمة الأخيرة للشعب الذي أدلى بدلوه يوم الاستفتاء الذي جاءت نتائجه لتؤكد "نزاهة و شفافية" العملية و "مصداقية مؤسسات الدولة" التي سهرت على مختلف مراحلها. اقرأ أيضا : الرئيس عبد المجيد تبون: التزامات تجسدت لبناء جزائر جديدة استفتاء 1 نوفمبر: الكفة تميل لصالح +نعم+ و نتائج تعكس "التعبير الحقيقي والكامل" عن إرادة الشعب بعد انقضاء حملة استفتائية امتدت من السابع إلى 28 أكتوبر, حل اليوم المحدد للاستفتاء الذي تمخض عن نتائج مثلت بالنسبة لرئاسة الجمهورية "تعبيرا حقيقيا وكاملا لما أراده الشعب" و أبانت عن أن رئيس الجمهورية "كان وفيا لالتزاماته, حتى يتم الشروع أخيرا في المسار الكفيل بالسماح بالتعبير الحر والديمقراطي للشعب الجزائري حول كل ما يخص مصيره". كما ذكرت أيضا, في بيان أصدرته عقب الإعلان عن النتائج, بأنه وامتدادا لانتخابات 12 ديسمبر 2019، فإن "كل الانتخابات ستكون بمثابة التعبير عن تطلعات الشعب الجزائري ولما يريده لمستقبله". و من هذا المنطلق, "امتنعت الحكومة عن أي تدخل في تنظيم الانتخابات", طبقا للقانون العضوي رقم 19 07 المؤرخ في 14 سبتمبر 2019، الذي خول الصلاحيات الكاملة للسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات, وفقا لما أكدته رئاسة الجمهورية التي اعتبرت أن هذه النتائج كانت "في مستوى تطلعها, في ظرف خاص يطبعه التقيد بتدابير الوقاية من وباء كورونا فيروس (كوفيد-19) ومكافحته". غير أن القراءة التي عكستها نتائج هذا الاستفتاء لم تكن محل إجماع بين الأحزاب السياسية و الفاعلين ككل. ففي الوقت الذي ركزت فيه بعض التشكيلات السياسية على النسبة الوطنية للمشاركة في الاستفتاء (23,72 بالمائة) معتبرة إياها جد متدنية تنم عن عدم نجاح هذه الاستحقاقات, فضلت أحزاب أخرى تثمين المصادقة ب"نعم" على مشروع تعديل الدستور بنسبة 66,80 بالمئة من الأصوات المعبر عنها. و في هذا الشأن, يرى رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات, محمد شرفي أن هذه النتائج "لا غبار عليها دستوريا و قانونيا" بالنظر إلى أن "السلطة المطلقة تعود للشعب ولا يوجد في القانون حد أدنى لنسبة المشاركة". و ذات الأمر بالنسبة لحركة البناء الوطني-على سبيل المثال لا الحصر- و التي اعتبرت تزكية الشعب الجزائري للدستور الجديد "ثمرة لاسترجاع الجمهورية" و"لبنة أساسية في برنامج الإصلاح الشامل والعميق, و هو نفس التقييم الذي عبر عنه حزب "جيل جديد" الذي شدد, على لسان رئيسه سفيان جيلالي, على أنه "كان بإمكان السلطة, مثلما كان يحدث في الماضي, تضخيم (النسبة) غير أنها فضلت إعطاء رقم حقيقي". و على نفس المنوال سار حزب "صوت الشعب" الذي صرح بأن نتائج الاستفتاء تعكس "نجاح اختبار النزاهة والشفافية وإحداث القطيعة مع ممارسات سابقة نفرت الجزائريين من الفعل الانتخابي". تعديل الدستور, محطة أولى تمهد لإصلاحات سياسية أخرى تم الإعلان عنها سابقا بالانتهاء من تعديل القانون الأسمى للبلاد الذي يمثل "حجر الأساس لبناء الجمهورية الجديدة" و باكورة الإصلاحات المعلن عنها ضمن مسعى التغيير الجوهري الذي شرع فيه, تتأهب الجزائر لفتح ورشات كبرى أخرى, الغاية منها الترسيخ الفعلي للديمقراطية والتجسيد الحقيقي لدولة الحق والقانون و تعزيز الحريات الأساسية. وفي صدارة هذه الإصلاحات, مراجعة القانون المتعلق بنظام الانتخابات الذي يشكل بالنسبة لرئيس الجمهورية شرطا أساسيا ل"أخلقة الحياة السياسية وإعادة الاعتبار للمؤسسات المنتخبة", فمن شأن القانون الجديد للانتخابات تحديد مقاييس وشروط الترشح بوضوح, مع ضمان "تجريم تدخل المال الفاسد في العمل السياسي وشراء الأصوات والذمم". وفي هذا الإطار, سيكون في يد اللجنة الوطنية المكلفة بإعداد مشروع مراجعة القانون العضوي المتعلق بالنظام الانتخابي بضع أيام لتجهيز مشروع هذه المراجعة, طبقا للتوجيهات التي أسداها الرئيس تبون في كلمته الأخيرة. ودائما في سياق الجهود المبذولة ل"إعادة الثقة في العملية الديمقراطية و الآلية الانتخابية", تتضمن الأجندة المستقبلية أيضا إضفاء تعديل على قانون الأحزاب, تطبيقا لتصور جديد يرمي من خلاله الرئيس تبون إلى الارتقاء بالمشهد السياسي إلى مستوى تطلعات الحراك الشعبي. و من هذا المنطلق, كان من الضروري العمل على إعادة الاعتبار للدور المنوط بالأحزاب السياسية بصفتها فاعلا لا غنى عنه في تنشيط الحياة السياسية و رسم مسار الأمة, علاوة على ترقية العمل السياسي في إطار احترام القواعد الديمقراطية المبنية على مبادئ التداول على السلطة وترقية التعددية. إلى جانب كل ذلك, رسم رئيس الجمهورية معالم تغييرات أخرى ستمس العمل البرلماني و تسمح بتعزيز فصل السلطات وضمان توازنها إلى غير ذلك من المحاور التي تشكل خريطة الطريق التي تبناها الرئيس تبون منذ توليه السلطة منذ سنة.