واجه الإتفاق الذي توصل إليه طرفا النزاع الليبي في مدينة بوزنيقة المغربية، رفضا واسعا و انتقادات حادة في ليبيا باعتبار أنه يقوم على تقسيم مناصب المؤسسات السيادية على منطق المحاصصة المناطقية والتوزيع الجغرافي، بدل اختيار الكفاءات الوطنية التي تخرج البلاد من أزمتها. واتفق أعضاء لجنة (13+13) في اجتماعات مدينة بوزنيقة، و التي اسدل الستار عليها السبت الماضي على توزيع المناصب السيادية وفقا للتوزيع الجغرافي للأقاليم الثلاثة (طرابلس - فزان - برقة)، وتوافقوا على تولي، طرابلس (منطقة الغرب الليبي) على منصبي النائب العام، و ديوان المحاسبة، و تحصل فزان (الجنوب) على المحكمة العليا، و هيئة مكافحة الفساد، فيما تحصل برقة (الشرق) على المصرف المركزي، وهيئة الرقابة الإدارية. وأعلن نحو 40 عضوا من المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، عن رفضهم لمخرجات بوزنيقة، ودعوا البعثة الأممية والأطراف المحلية والدولية إلى "احترام الإعلان الدستوري وتعديلاته وأحكام القضاء"، حسب مصادر إعلامية ليبية. وأضاف البيان أن دور فرق الحوار هو تقريب وجهات النظر ولا يحق لهم التوقيع أو التصويت ما لم يتم الرجوع للمجالس وعقد جلسات رسمية بالخصوص. من جهة أخرى طالب أعضاء مجلس الدولة البعثة الأممية بتنفيذ اتفاق جنيف القاضي بإخراج المرتزقة وفتح الطرق ونزع الألغام وعودة المهجرين وفرض سيادة الدولة على كافة التراب الليبي. وعبر البيان عن شكر الدول التي استضافت الحوار الليبي منذ عام 2015 وحتى الآن، والتزام هذه الدول بمبدأ الحياد تجاه الأزمة الليبية. من جهته أعلن المجلس الأعلى للقضاء في ليبيا، رفضه لمخرجات الحوار الليبي في مدينة بوزنيقة، مستنكرا ما وصفه ب "منطق المحاصصة المناطقية"، بخصوص المناصب السيادية خاصة فيما يتعلق منها بعمل السلطة القضائية والذي يمس بوحدة ليبيا. إقرأ أيضا: تأخر خروج المرتزقة من ليبيا يهدد مسار التسوية الاممية وقال المجلس في بيان أنه "تابع ما يدور من حوارات ولقاءات بين عدد من الأطراف الليبية خارج البلاد من أجل إيجاد مخرج وتسوية للصراع السياسي الدائر والذي أضر بالوطن والمواطن"، و اعرب عن تمنياته لهذه الأطراف ب"الوصول إلى حل ينهي ذلك الصراع ويحقق الأمن والاستقرار في ربوع البلاد". وفي نفس الوقت استهجن المجلس "منطق المحاصصة المناطقية وغيرها الذي اتجهت إليه تلك الحوارات ومخرجاتها، بخصوص المناصب السيادية وخاصة بما يتعلق منها بعمل السلطة القضائية وتوزيعها إلى جهات ومناطق بعينها". وأشار البيان إلى أن المجلس الأعلى للقضاء كان قد وجه من خلال بيانات سابقة نداء لوضع الجميع أمام مسؤولياتهم وإنه لن يقف متفرجا على أي اعتداء على وحدته واستقلاله دون سند دستوري أو قانوني. كما جدد المجلس التأكيد على أن إدخال المناصب القضائية ضمن أتون المحاصصة التي وصفها ب "المقيتة" يعد تدخلا سافرا في القضاء وانتهاكا صارخا لاستقلاله وحياده وضربا لوحدته واستقراره الذي ظل راسخا في الوقت الذي انقسمت فيه كل السلطات. وأكد أن ما جرى في بوزنيقة المغربية هو "محاولة لضرب هذا النسيج المتماسك شرقا وغربا وجنوبا "، محذرا في الختام من عدم اختبار مكانة القضاء لدى الشعب الليبي. كما أكد أنه سيتخذ الخطوات اللازمة إذ لزم الأمر لوقف أي مساس بكيانه. وحول قدرة المجلس الأعلى للقضاء على إيقاف تفاهمات حوار بوزنيقة وإلزام طرفي الحوار على إعادة النظر فيها، قال مقرر اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، أحمد حمزة، إن القانون يسمح بذلك وينص على أنه لا يحق التدخل في شؤون المؤسسة القضائية وفرض تعيين مناصبها السيادية من قبل السلطة التشريعية والاحتكام في ذلك إلى معايير مناطقية وجهوية، مشيرا إلى أن السلطة القضائية هي التي تختار مرشحها لمنصبي المحكمة العليا والنائب العام. وأضاف حمزة أن اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان تتضامن مع المجلس الأعلى للقضاء وترفض التدخل السافر في شؤونه وفرض هذه المحاصصة المقيتة على السلطة القضائية، ومحاولة إقحام المؤسسة الوحيدة التي بقيت موحدة ومستقلة في ليبيا فيها، وتعتبر أن ما جاء في تفاهمات حوار بوزنيقة فيما يتعلق بالسلطة القضائية يعتبر تدخلا ومساسا بسيادة واستقلال القضاء. ويشير الرفض الواسع لمخرجات بوزنيقة من طرف عدة أحزاب ليبية إلى أهمية التعليقات المقدمة من طرف الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا بالإنابة ستيفاني ويليامز، خلال كلمتها الافتتاحية، لاجتماعات اللجنة الإستشارية المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي الليبي في جنيف مؤخرا، حيث أصرت على "ضرورة السماح لليبيين بحل أزمتهم". إقرأ أيضا: ليبيا/تسوية: اختيار أعضاء الحكومة الانتقالية مطلع فبراير المقبل وأوضحت ويليامز أن هذا الاجتماع "لن يناقش الأسماء المرشحة لتولي المناصب القيادية في السلطة التنفيذية الموحدة"، قائلة "لا أقبل أن يكون للبعثة دور في تسمية السلطة كما يروّج له البعض، هذا قرار ليبي". ومن أجل تكريس حل سياسي شامل ودائم للأزمة، لطالما رافعت الجزائر، منذ بداية الأزمة، من أجل مرافقة الإخوة الفرقاء نحو حل سياسي ليبي-ليبي، مؤكدة رفضها القاطع لأي تدخل أجنبي في هذا البلد الجار، بما يعزز سياستها الخارجية التي ترتكز أساسا على احترام سيادة الدول والنأي عن التدخل في شؤونها الداخلية مع تغليب الحلول السلمية والخيارات الدبلوماسية. وفي هذا الصدد أبرز وزير الشؤون الخارجية، صبري بوقدوم في شهر أكتوبر الماضي أنه منذ ندوة برلين "التزمت الجزائر بشدة بدعم المسار و وضعت جانبا جهودها التي بحث عنها كل الليبيين وطالبوا بها" مع إعلان "بقائها ملتزمة ببذل قصارى جهدها لبلوغ حل بناء في إطار مسار برلين الذي يدعمه مجلس الامن وكذا من أجل حوار سياسي شامل وتمكين الليبيين من التحكم بزمام الأمور فيما يتعلق بمسار تسوية النزاع". وكان مؤتمر برلين الذي انعقد بمشاركة 12 دولة من بينها الجزائر و4 منظمات دولية وإقليمية - قد حدد بيانه الختامي ثلاث مسارات لحل الأزمة الليبية (أمنية، اقتصادية وسياسية تقود لانتخابات تشريعية ورئاسية)، وتمت من خلاله الدعوة إلى تعزيز الهدنة في ليبيا، والعمل بشكل بناء في إطار اللجنة العسكرية المشتركة "5 + 5، لتحقيق وقف اطلاق النار في البلاد، ووقف الهجمات على منشآت النفط وتشكيل قوات عسكرية ليبية موحدة، وحظر توريد السلاح إلى ليبيا. للتذكير فإن الجزائر كانت قد بادرت في مايو 2014 بإنشاء آلية دول جوار ليبيا عقدت أول اجتماع لها بالجزائر، كما احتضنت شهر مارس 2015 العديد من جولات الحوار بين قادة الأحزاب السياسة الليبية ضمن مسارات الحوار التي كانت تشرف عليها الاممالمتحدة.