أكد أساتذة ومختصون في التاريخ أن ثورة أول نوفمبر 1954 المجيدة شكلت بثقلها النضالي تتويجا لمسار حافل بالتضحيات الجسيمة للشعب الجزائري طيلة أزيد من قرن, فأضحت نبراسا وقبلة للشعوب التواقة للانعتاق والحرية عبر العالم. و تأتي الذكرى ال70 لاندلاع هذه الثورة العظيمة لتؤكد تمسك الجزائر المستقلة بالمبادئ المنبثقة عن نضالات شعبها في سبيل استرجاع سيادته ولتذكر شباب اليوم بأهمية الوحدة و رص الصفوف لمواجهة التحديات الحالية. و أوضح أستاذ التاريخ بجامعة وهران, رابح لونيسي, في تصريح ل /وأج, أن "الشعب الجزائري لم يتوقف عن مقاومة الاحتلال الفرنسي منذ أن وطئت أقدامه أرض الجزائر, بداية من المقاومات الشعبية المسلحة, ثم النضال السياسي وكذا الثقافي للحفاظ على الهوية الوطنية, للوقوف في وجه محاولاته لطمسها بكل الوسائل". وأبرز الأستاذ لونيسي أن مفجري الثورة التحريرية "استخلصوا النقائص" من كل النضالات السابقة على مدار أزيد من قرن, فأشعلوا فتيل ثورة الفاتح نوفمبر التي تميزت -مثلما قال- ب "الشمولية عن طريق شن عمليات مسلحة في نفس الوقت عبر كافة مناطق البلاد" و "اعتماد تنظيم موحد وقيادة جماعية لجبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني, إلى جانب توفير قواعد خلفية وتدعيم العمل المسلح بالتحرك الإعلامي والدبلوماسي, وهو ما كلل بالاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية". ويرى أستاذ التاريخ بجامعة وهران أن مبادئ الثورة التحريرية "تركت أثرا عميقا على الجزائر المستقلة, التي سعت إلى تجسيد تلك المبادئ, فانعكست في البعد والطابع الاجتماعي للدولة الجزائرية, انطلاقا من مبادئ بيان أول نوفمبر, وكذا احترام الحريات الأساسية, إلى جانب تكريس مبدأ المواطنة". أما بالنسبة للسياسة الخارجية, فتمسكت الجزائر بعد نيلها لاستقلالها ب"مبدأ دعم قضايا التحرر في العالم, فكانت قبلة للثوار من مختلف القارات, إلى جانب اعتماد مبدأ الحفاظ والدفاع عن السلام في العالم, وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول, ناهيك عن مبدأ الحياد الإيجابي". من جهته, قال أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة البليدة 2, عاشور محفوظ, أن الثورة التحريرية "تحتفظ بمركزيتها لدى الشعب الجزائري بصفتها الحدث العظيم الذي توج مراحل متعاقبة من الكفاح طيلة فترة الاستعمار بثورة تحريرية انطلقت بإمكانيات قليلة واستطاعت أن تواجه أكبر قوة استعمارية في العالم وقتها". وما زاد من قوة ارتباط الشعب الجزائري بثورته المجيدة -يضيف أستاذ التاريخ- هي "القيم التي حملتها الثورة والتي جندت -بعد نيل الاستقلال- الشعب الجزائري برمته لإعادة بناء ما خربه الاستعمار, فكان متماسكا و متكاتفا في مرحلة البناء, بداية من استرجاع الثروات المنهوبة عن طريق التأميم وبناء المؤسسات التي حرم منها, فانتقلت الجزائر من ثورة التحرير إلى ثورة البناء والتشييد". و قد اعتمدت تلك الجهود على "الركائز والإنجازات المستلهمة من الثورة التحريرية, بداية من الانتصارات التي مكنته من إسقاط الجمهورية الفرنسية الرابعة وإفشال مخطط الجمهورية الخامسة التي أرادها شارل ديغول وسيلة للقضاء على الثورة التحريرية, قبل أن يجعله صمود الجزائريين يرضخ للأمر الواقع ويقر بفشل محاولة ضرب الوحدة الوطنية". و في السياق ذاته, أكد الأستاذ محفوظ عاشور أن ملف الذاكرة بثقله "يبقى الحاضر الأبرز لما يحمله من تضحيات وبطولات وقيم الوحدة والتضامن والتآزر بين الشعب الجزائري, والتي واجه بها الجرائم التي ارتكبها الاستعمار في حقه من إبادة وتعذيب وتهجير وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان", مؤكدا أن هذا الملف يبقى "مثقلا بمخلفات الحقبة الاستعمارية". وحول رمزية الذكرى ال70 لاندلاع ثورة أول نوفمبر, أبرز أستاذ العلوم السياسية بجامعة قاصدي مرباح بورقلة, بوحنية قوي, أن هذه المناسبة "تأتي ضمن سياقات متعددة على المستوى الإقليمي والدولي الذي يشهد عدة اضطرابات, مقابل حالة الاستقرار التي تشهدها الجزائر من خلال ترسيخ البناء الديمقراطي وتجسيد معالم الدولة الجزائرية التي حددها بيان أول نوفمبر". وذكر أستاذ العلوم السياسية ب"عظمة الثورة التحريرية التي تمثل أحد شواهد القرن الماضي, بشكل جعلها مصدر إلهام لشعوب العالم والقضايا العادلة على رأسها القضيتين الفلسطينية والصحراوية".