الرجال يرون المرأة ناقصة عقل ودين، دون أن يدركوا على وجه التدقيق ما قصده الرسول الكريم من قوله بأن النساء ناقصات عقل ودين· هذا الحديث النبوي أصبع يوظف كأداة إعاقة في طريق المرأة المسلمة، وكتهمة جاهزة تشهر في وجها كلما تطلعت ابعد من انفها، وتوظيفه بهذا الشكل مسؤول بنسبة معتبرة عن الوضع الغير فعال الذي تعيش في ظله المرأة العربية· لقد حمل الحديث النبوي من طرف التيارات المحافظاتية التي تسعى لتقميط المرأة وحجبها عن لعب أي دور اجتماعي وسياسي معين و معلن، حمل الحديث بشحنات إيديولوجية مرتبطة بالتحقير، تحقير المرأة وتسفيه ما قامت وما يمكن أن تقوم به، في حين أن هناك تفسير إجرائي بسيط ومهم أيضا لهذا الحديث النبوي الخطير· حيث أن النقص ليس أصلا في المرأة إنما هو عارض وزائل مثلا في حالة الحيض المرأة لا تصلي ولا تصوم، وفي حالة النفاس أيضا أي أن التركيبة الفيزيولوجية للمرأة تسقط عنها بعضا من التكليف لفترات معينة تزول بزوال السبب، هذا فيما يخص النقص في الدين ،أما النقص في العقل فهو أيضا مرتبط بتركيبة المرأة النفسية التي تغلب العاطفة، في حين الرجل يغلب العقل، وعلى هذا الأساس يمكن القول أيضا أن الرجل ناقص عاطفة بما انه يغلب عقله مع أن لا احد يقول بهذا· وبعيدا عن الدراسات العلمية التي تؤكد أن ذكاء المرأة يفوق ذكاء الرجل والتي تؤيد هذا الفهم الإجرائي والعقلاني للحديث النبوي الموظف بخلفيات إيديولوجية، يمكن التنبيه أيضا إلى أن التوسع في توظيف هذا الحديث بهذا الشكل الذي يحجر على المرأة قد ازداد مع عصور الانحطاط وما تلاها من مراحل تخلف للمسلمين· وهنا نصل إلى نقطة مهمة مرتبطة بتاريخية الفهم الإسلامي، ففقه التضييق على المرأة من طرف النظام الأبوي العربي يقدم نفسه سواء كان مدركا لذلك أو غير مدرك، كآلية من آليات الدفاع عن الهوية الهشة والذات المهددة· وبما أن المرأة هي حاملة قيمة الشرف بمعناه المادي ( الشرف بالنسبة للرجل هو قيمة معنوية مرتبطة بالنبل والشهامة ومكارم الأخلاق في حين بالنسبة للمرأة يتم اختصاره وتحديده في محدد مادي قد يضيق إلى درجة يصير فيها مساويا لعذرية المرأة لا غير) كما قلت بما أن المرأة تعتبر حاملة لقيمة الشرف بمعناها المادي وهي ليست حاملة لشرفها وحدها إنما لشرف أسرتها وعشيرتها جميعا فإنه وانطلاقا من الخوف على الشرف الذي يتمظهر كمحدد من محددات الهوية الجمعية للأمة المسلمة، انطلاقا من هذا الخوف ينتج فقه التضييق على المرأة آليات دفاع جمعي عن الهوية، هذه الآليات تحمل المرأة وزرا لم ترتكبه لمجرد أنها يمكن أن ترتكبه· هذه الآليات الدفاعية التي ينتجها فقه التضييق على المرأة تلعب دورا مهما بالنسبة للنظام الأبوي المهمين على الواقع الاجتماعي العربي والإسلامي، مع ضرورة الإشارة إلى أن النظام الأبوي كايدولوجيا يتجاوز الرجل كفرد، ويساهم كل من الرجل والمرأة في تكريسه وتجديد آليات عمله، بخضوع لا واعي في غالب الأحيان· الدور الأول الذي يعلبه خطاب تهميش المرأة والتضييق عليها هو إعطاء مشروعية للوضع القائم الذي هو وضع تاريخي، بله كونه وضع معتل وغير سوي نتيجة إعطاء مشروعية لثقافة التهميش· الدور الثاني هو تبرير الفشل والإخفاقات الاجتماعية والسياسية لهذا النظام الأبوي ( الأب ليس بالمعنى البيولوجي إنما بالمعنى الإيديولوجي الذي يحيل على الزعيم والرئيس وشيخ القبيلة وصولا في نهاية المطاف إلى رب الأسرة الذي يحتل ذيل القائمة في تراتبية الأبوية كنظام اجتماعي له تمظهراته السياسية)· الفشل يحيلنا على جزء من إشكالية أخرى وتساؤلها الرئيسي يمكن صياغته بالشكل التالي : هل قام الرجل بدوره في ظل غياب دور فعال للمرأة ؟ بداية أريد التأكيد على فكرة رئيسية مرتبطة بالوضع الراهن وهو أن الفشل في مواطن الفشل هو فشل اجتماعي/ جماعي ساهم فيه الرجل والمرأة، وللرجل دور ونصيب أوفر من الفشل نظير المجال الأوسع الذي يحتله· ولكن في النهاية الرجل والمرأة كلاهما ضحية، وهما في ظل الدولة الحديثة ضحية المؤسسة ( المدرسة، المؤسسة الصناعية، الإدارة، وصولا إلى المؤسسة السياسية العليا المحتكرة للتفكير والقرار والعنف الشرعي)· فالدولة كمؤسسة مهمينة تمتلك وسائل جبارة لإخضاع المجتمع وتوجيهه تتحمل المسؤولية الكبرى في الفشل وفي القمع الذي يجعل الأفراد ( رجال ونساء ) غير فعالين في المجتمع، لأن من مهام الدولة توفير المناخ المناسب للأفراد ( المواطنين ) لكي يقوموا بدورهم في ظل تساوي الفرص وفي ظل توفر مناخات مناسبة توفرها القوانين الناظمة لمختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا الدور الذي يفترض أن تقوم به الدولة كمؤسسة تتجاوز الأفراد وتحتويهم في نفس الوقت، هو دور معتل ويسير وفق حسابات لا عقلانية في غالب الأحيان·