ثلاثة سيناريوهات تُطل برأسها، أو بالأحرى تتنافس في ما بينها، لتقرير مصير المنطقة الشرقية من حوض البحر المتوسط· الأول، وهو الأرجح، بروز محاولات لحسم الصراع عسكرياً، سواء من قِبَل أمريكا ضد إيران، أو ''إسرائيل'' ضد لبنان وسوريا وفلسطين تمهيداً أيضاً لضرب إيران، أو ضربات أمنية وعسكرية تقوم بها إيران والقوى المسلحة العربية الحليفة لها كعملية استباقية لإجهاض أي هجوم مباغت عليها· هذا السيناريو مرجّح لسببين: الأول، لأن التعبئة السايكولوجية والحربية تقترب من أوجها في ''إسرائيل'' وإيران ولبنان وغزة· فالناس في هذه المناطق، وبسبب الحملات الإعلامية شبه اليومية والتدريبات العسكرية المُتلاحقة، لم يعودوا يتساءلون ''هل'' تقع الحرب، بل ''متى''، وهذا أول شرط من شروط تحضير الجبهة الداخلية للعمليات العسكرية· والثاني، لأن الأمور بين إيران وبين ''إسرائيل'' وأمريكا وصلت أو تكاد إلى عنق الزجاجة، فالموجة الرابعة من العقوبات الدولية على الطريق (21 جوان)، وإدارة أوباما بدأت تسحب تدريجياً دبلوماسية اليد الحريرية وتستبدل بها القبضة الحديدية، علاوة على ذلك، الفترة الزمنية اللازمة لإيران كي تُنجز تطوير أول قنبلة نووية بدأت تتقلّص وتضيق، الأمر الذي قد يُعجّل بوضع الخيار العسكري على طاولة غرفة العمليات· السيناريو الثاني المحتمل، ولكن بدرجة أقل من الأول، هو استمرار الوضع الراهن المتأرجح بين الحرب والسلام، مع عدم استبعاد حدوث اضطرابات داخلية كبرى في عدد من دول شرق المتوسط، بما في ذلك إيران وحتى ''إسرائيل''· ذلك لأنه ما لم يُنفّس البركان الشرق الأوسطي المُحتقن للغاية عن نفسه في انفجار كبير في شكل حرب إقليمية واسعة، فإنه سيميل إلى زعزعة الأرض تحت أقدام بعض الدول المتزعزعة أصلاً، وهذا من شأنه جعل الوضع السيء أكثر سوءاً في المنطقة· فالفوضى ستزداد تفاقماً، والفلتان الأمني سيكون في أمر اليوم، خاصة بعد أن تبدأ الولاياتالمتحدة سحب جزء كبير من قواتها العاملة في العراق· السيناريو الثالث، وهو الأكثر استبعاداً، هو أن تتمكن الدول الإقليمية من حل صراعاتها وتنافساتها الراهنة بالطرق السلمية، وهذا يمكن أن يحدث بالتدريج وخطوة خطوة على نمط مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي في هلسنكي· وجه الصعوبة في هذا السيناريو، يكمن في رفض الولاياتالمتحدة له (حتى الآن على الأقل)، وفي عدم بروز قوة أو قوى دولية ترغب في ملء ولو جزء من الفراغ الذي سيتركه الانسحاب الأمريكي من العراق ثم في وقت لاحق من أفغانستان· فالصين ليست راغبة ألبتة في منافسة أمريكا على النفوذ في الشرق الأوسط، على الرغم من حاجتها الماسة والوجودية لنفط وغاز المنطقة، وروسيا تكتفي في هذه المرحلة بما تقدّمه لها الولاياتالمتحدة من عطايا في منطقتي القوقاز - وسط آسيا وإفريقيا مقابل فك ارتباطها بإيران والشرق الأوسط، وأوروبا باتت بعد أزمتها الأخيرة غائبة عن الوعي· متى يمكن أن نعرف أياً من هذه السيناريوهات سيكون له قصب السبق؟ في أي لحظة بالنسبة إلى السيناريو الأول· خلال الأشهر القليلة المُقبلة للثاني، وبعد 10 إلى 20 سنة للثالث، حين يكون النظام الدولي الجديد قد تبلور رسمياً في صيغته التعددية· حصيلة غير مطمئنة؟ أجل، من أسف، لكنها واقعية·