بالرغم من المبالغة والتكلف في التحضير التقني وظهور ظروف جديدة خاصة بالفضاءات الاستراتيجية واستعمال تقنيات جيدة بمساعدة الكمبيوتر، إلا أن كأس العالم تؤكد لنا ثانية بأن كرة القدم تبقى فنا يميزه جمال الحركة وقدرة الأداء لدى اللاعب· صحيح أن هناك تطورا ملحوظا وتغييرا عميقا على مستوى الاختيار التكتيكي والاستراتيجي ولم نعد سجناء نظام اللعب التقليدي 4-2-4 أو 4-3-3 أو المربع السحري الشهير أو تقنيات أخرى من هذا النوع، ولكن حتى الفضاءات التقنية الجديدة تقتبس منطقيا بعد العناصر من النظريات القديمة· كرة القدم لدى ''أجاكس'' وهولندا في زمن ''كرييف'' وما تلاه من بعد لم يمح آثار اللعب القديم الذي كان يتميز بتواجد أحسن اللاعبين الذين يصنعون الفرق، وهذا هو الحال بالنسبة ل ''كوبا'' و''ايسبيو'' و''بيلي'' و''غارينشا'' و''بوسكاس'' و''كرويف'' و''نتزر'' و''مارادونا'' و''زيدان''··· وغيرهم ممن نجحوا في تغيير كأس العالم· نجد دائما نوعا من الإنسانية التي تميز كرة القدم، التي تتميز أيضا بتلك الأخطاء التي تتدخل فيها ''يد الله'' في حالة كل من مارادونا وهنري وسواريز، وتلك الأهداف التي تتجاوز خط المرمى مثل الذي سجل في مقابلة ألمانيا مع إنجلترا، والتاريخ يعيد نفسه مع تكرار أخطاء التحكيم التي شهدتها مقابلة إنجلتراألمانيا سنة .1966 أخطاء تحكيم متواجدة دائما، هي لن تختفي أبدا، لأن الحكم إنسان غير معصوم من الخطأ، وهذا ما يضفي في بعض الأحيان نوعا من الجمالية على كرة القدم، ولن يكون التحكيم كاملا حتى لو ساهمت بعد آلات الفيديو في ذلك· كما نجد أيضا اندفاع مارادونا الذي أعاد لوحده مقابلة لكرة القدم، مثل ما هو الحال بالنسبة للشيطان ''فورلان'' الذي نجح في إرباك الدفاع عندما أقحم الأوروغواي، هذا البلد الصغير، في ساحة عمالقة كرة القدم العالمية الأربع· كما نجد جمال ركلة كعب ''ماجر''، و''بانينكا'' و''زيدان'' و''أبرو''، هناك عودة دائمة إلى ''هيلينيو هيرارا'' عندما يكون الفرق مرغما على الاحتفاظ بالتعادل أو بالهدف الفاصل، وهذا هي الطريقة التي انتهجتها الجزائر منذ بداية المونديال كي لا تتلقى الكثير من الأهداف أو لتحديد حجم الخسائر في المقابلات التي قادها سعدان· هذا البعد الفني الذي يتميز بالجمال والتلقائية والصدف التي تعطي كل هذه الشعبية لكرة القدم، التي تبرز خلال وقت المقابلة وخلال المشاكل الداخلية للفرق، وعبر المباريات التي تجمع بين المناصرين على أرضية الملعب أو من خلال حركة تقنية للاعب تثير إعجاب الملايين من المناصرين والمشاهدين· لقد تجاوزت ظاهرة كرة القدم كل الحسابات الرياضية التي أصبحت جزءا من هذه اللعبة التي أصبحت رياضة إنسانية مختلفة عن ألعاب الآلات· النهائي الذي سيجمع هولندا بإسبانيا سيسمح لنا بمشاهدة أوضح لهذا التحضير القاسي الذي سيكون فيه التشجيع للعب الجماعي والمحاولات الفردية والحركات المبهرة ل ''انيستا'' و''بويول'' و''فيلا''، إلى جانب بعض أخطاء ''روبن'' على سبيل المثال وبعض أخطاء التحكيم، ومقابلة كرة القدم هي أيضا حلم وإنسانية وشيء مغاير لكل الحسابات، فالإنسان معقد كما هو الحال بالنسبة لكرة القدم·