يتزايد الحديث عن حفلات الزفاف خلال فترة الصيف، على أنها تتحوّل لمحور اهتمام العائلات الجزائرية· فقد بات الحديث عن هذه الحفلات بمثابة الحديث عن ميزانيات اقتصادية لابد من إيجاد توازن لها، تتطلب خبراء في ضبط الميزانيات· غير أنه لما كان يوم العمر، يستمر الكثيرون في التغاضي عما قد تكلفه فرحة ليلة واحدة، ليلة العمر التي لا بد أن تكون مثالية· يقول المثل إن الأشياء المهمة لا تقدر بثمن، وقد تكون حفلة الزفاف أكثر المناسبات أهمية التي يصر الكل على أن تتخلد في الذاكرة، غير أن ذلك له ثمنه على أرض الواقع، فزيارة خاطفة للأسواق المتخصصة في العاصمة تؤكد مدى ارتفاع الأسعار· لا نتحدث هنا عن الميزانية اللازمة للزواج وإنما حفل الزفاف وحده، وقد تأكد لنا بعد التقصي أن ميزانية هذه الأمسية تشكل أكثر من نصف ميزانية الزواج ككل، حيث أن جل التحضيرات والاستعدادات تهدف لظهور الأفراح بأحسن وجه في اليوم الموعود· من أجل معرفة الميزانية التقريبية لحفل الزفاف المتوسط في العاصمة، كانت لنا جولة في أهم المحلات المعنية ببيع متعلقات هذا اليوم· وقد كان الاكتشاف مذهلا حين أدركنا أن الأمر يتعلق بصناعة قائمة بحد ذاتها، صناعة حفلات الزفاف التي ترتبط بها مئات الصناعات اليدوية ومئات المحلات المتخصصة· البداية كانت من شارع ديدوش مراد، حيث أكبر محلات بيع بطاقات الدعوة، المثير أن المكان أكثر ازدحاما من لزدحام المخابز ليلة العيد، بالكاد تمكن البائع من الحديث معنا من كثرة الزبائن، الأمر الذي جعله يستدعي صاحب المحل ليطلعنا عن جزء من تجارته التي تشهد ازدهارا منقطع النظير خلال فترة الصيف، وفي هذا الصدد يقول محمد: ''مع أن بطاقة الدعوة هي أول ما يعلن عن إقامة العرس، إلا أنه في قائمة المشتريات المرتبطة بالإعداد للحفل، تأتي في آخر مرتبة ليتأكد تاريخ حجز القاعات وغيرها من التفاصيل''، مشيرا إلى أن وتيرة البيع تتزايد في الصيف، بل إنه يحقق أكثر من نصف المبيعات خلال هذه الفترة: ''عادة ما يأخذ كل زبون ما بين 250 إلى 300 بطاقة دعوة، أما أسعارها فتختلف حسب النوعية، أقل واحدة تكلف 30 دينارا للبطاقة والأغلى يصل سعرها لحوالي 600 دينار، على أن الزبائن يأخذون من كل الأنواع''، ما يعني أن متوسط قيمة البطاقات لا يقل عن 15 ألف دينار جزائري، وهذا البداية فقط. كانت وجهتنا الثانية محلات بيع الحلويات التي تشهد هي الأخرى إقبالا كبيرا، سيما تلك المتخصصة في تحضير كميات كبيرة من حلويات الأفراح، وقد أكد كل من تحدثنا إليهم بهذا الخصوص أنه عادة ما تقوم العائلات الجزائرية بتحضير ما لا يقل عن أربعة أنواع من الحلويات الخاصة بحفلات الزفاف، على أن بعض النوعيات يتم تحضيرها في البيت· وبالطبع مثلما هو الحال مع بطاقات الدعوة، فإن الحلويات هي الأخرى أنواع، ويتعلق الأمر ما إذا كانت المادة الأساسية في التحضير من اللوز أو الفول السوداني، على أن الحد الأدنى لا ينزل عن 20 دينارا للحبة الواحدة، في حين أن أغلى الأنواع تصل لحوالي 70 دينارا، ولكم أن تضربوا هذه القيمة في حوالي 300 إلى 400 حبة لكل نوع، ما يعني أن الميزانية تتصاعد وصولا إلى حوالي 200 ألف دينار جزائري، وكأن الميزانية لم ترتفع بقدر مخيف لتنضاف إليها ميزانية علب وضع الحلويات، التي تشهد هي الأخرى إبداعا كبيرا من حيث الأشكال، الأحجام والأسعار· وقد اكتشفنا خلال محاولتنا لوضع قائمة تقريبية لكل اكسسورات حفلات الزفاف أن ربات البيوت والفتيات الماكثات بالبيت أصبحن يجدن فرصة للعمل وكسب أموال إضافية من خلال تصنيع هذه العلب مختلفة الأنواع، في مقدمتها تلك التي تتطلب مهارات يدوية· فقد عثرنا في أحد محلات البيع ورشة صغيرة تجمع فتيات لم يتجاوزن العشرين يعملن على تحضير علب من نوع ''القبعات''، في حين أن الأكبر سنا يعملن في البيت في حياكة أكياس مطرزة لوضع الحلويات فيها، وهي آخر صيحات الأعراس، حيث يكتب اسم العريسان على الكيس المزركش· أما عن الأسعار، فقد أكدت الفتيات أنهن يكسبن ما يقارب عشرة دنانير في القبعة وثلاثين دينارا في الكيس، وتصل قدرتهن الإنتاجية لحوالي 100 قبعة في اليوم و60 كيسا· أما ما يدفعه صاحب الزفاف في هذه العلب التي يكون مآلها في غالب الأحيان سلل المهملات، فيتراوح ما بين 6000 دينار ليتجاوز المليون ونصف سنتيم· ثم هناك مصاريف قاعة الحفلات التي تتراوح هي الأخرى حسب نوعيتها ومدى رقيها من 4000 دينار، وهي عادة القاعات التي تضعها بعض البلديات والمؤسسات أمام العامة لإقامة الحفلات دون أن تكون بالضرورة مجهزة لذلك، غير أن أسعارها المغرية تستمر في استقطاب الكثيرين· لكن تبقى الموضة والإصرار على القاعات المكيفة والمجهزة بما يجب من أماكن لجلوس العروس وديكورات خاصة، وهي الأغلى ثمنا، إذ تصل في بعض الأحيان لحوالي ستة ملايين سنتيم. أما القاعات الخاصة بالفنادق الفخمة، فيتجاوز أسعارها 15 مليون سنتيم· وقد بات الحديث، اليوم، عن حجز قاعات الأفراح شهور طويلة قبل موعد الحفل لضمان توفر القاعات، حيث أن التزاحم وارتفاع الأسعار يميز فترة الصيف، لذلك تجد كل القاعات محجوزة بمجرد دخول موسم الأفراح، ليبقى بعد ذلك الحديث عن المرطبات اللازم توزيعها في القاعة على المدعوين من مثلجات ومشروبات باردة التي لا يقل ثمنها عن ستة ملايين سنتيم على أقل تقدير، ليجد صاحب العرس نفسه أمام نفقات تجاوزت العشرين مليون سنتيم، وبالرغم من ذلك تظل قائمة متطلبات الحفل مفتوحة، فهناك الكاميرا والصور والديسك جوكي، وبدلة الزوج والفستان الأبيض· بهذا الخصوص باتت العاصمة تشهد نوعا جديدا من المحلات المتخصصة في كراء ملابس العرسان، المثير أن الفترة الأخيرة شهدت ظهور هذا النوع من المحلات الخاصة بالنساء، إلا أن هذه الصيحة باتت تشمل الرجال، فقد عثرنا على محل بشارع ''ديبوسي'' لتأجير بدلات الرجال، حيث قالت نسرين البائعة: ''البدلة الفاخرة حتى يبدو العريس فيها بأحسن وجه يفوق سعرها خمسة ملايين سنتيم، مع العلم أن الكثيرين لا يلبسون البدل إلا في يوم العرس، لذلك بتنا نضع أمام الراغبين مجموعة من البدل التي يستأجرونها فاخرة بأسعار في متناول الجميع، إذ لا يتجاوز سعر 24 ساعة حوالي 3000 دينار، وهو ما جعل الكثيرين يقبلون على محلنا في موسم الأعراس، بل إن الكثيرين من غير العرسان باتوا يطلبون خدماتنا· هكذا، وخلال نصف من التجوال بين المحلات، تأكد لنا أن إقامة حفل زفاف في الجزائر يتجاوز 30 مليون سنتيم كحد أدنى، على اعتبار أن المصاريف تقتصر على تلك الحفلة التي بالكاد تدوم سويعات من اليوم، وبالرغم من ذلك تستهلك أموالا لا عد لها· المثير أن بحساباتنا البسيطة التي اقتصرت على ما بدا لنا الحد الأدنى من اكسسوارات ولوازم الحفلات، في الوقت الذي تذهب فيه كل المؤشرات لتؤكد أن وتيرة الميزانيات في ارتفاع متزايد، وأن الأكسسوارات الصغيرة التي لا تبدو باهظة تساهم بشكل كبير في تراكم مبالغ الميزانية· وقد ترسخت فكرة تقليد الغير، حيث يحدث ما يشبه المنافسة في العائلات والمقربين الهدف منه تقديم إضافة جديدة في كل عرس من شأنها أن تخلق الحديث وتكون مركز الاهتمام· في هذا السياق، أكدت سيدة في الخمسين من العمر، تسنى لنا الحديث معها عند محل بيع بطاقات الدعوة: ''أصبح اليوم الكل يتفنن في الاكسسورات والجميع يريد تقليد ما شهده في أعراس الغير، وفي المحصلة تجد نفسك أمام فاتورة بالكاد تقدر على نطقها بالشكل الصحيح، من أمثلة هذه الاكسسوارات الجديدة تلك الوريقات التي تدس بداخل علب الحلوى وهي عبارة عن ''أشعار البوقالات'' التي توزع من باب إضفاء جمالية وجلب فأل الخير على العرس وكل المدعوين، وإن كان اليوم البعض يضع فيها آيات قرآنية لتجنب عين الحسود''· بعد سؤالنا عن سعر هذه الوريقات قيل لنا إنه يتراوح ما بين 500 دينار لمئة وريقة من النوع الفاخر، أضف إلى ذلك الحلوة المسكرة أو ما يعرف ب ''دراجي'' التي لا بد من توزيعها مع الفستان الأبيض والورود وغيرها من اللوازم التي تجد طريقها للنفايات، آخذة معها أموال العمر، ومع ذلك يهون كل ذلك فهي ليلة في العمر·