أن تكتب بدافع ملح يضغط بقوة وبقسوة على النفس والعقل لأجل ترجمة هاجسك كإنسان ينقل خوفه وتأمله وتنبؤه ومشاعره بأنواعها· يترجمها للآخرين لأجل قراءتها وفهمها ومعايشتها وحسّها وتمثيلها في خيال واسع· أن تكتب يعني أن تبحث عن تبادل الأدوار بينك وبين القارئ، ككاتب مصنف بمستويات مثلما القارئ مصنف بمستويات، تتبادل الأدوار على مستوى الإبداع والحس والالتزام وحالة الشعور· أن تكتب مفكرا دخول عوالم البوح والإفصاح، الدخول لعوالم الكشف والتقصي للعوالم الجديدة التي تفرض عليك مبدأ الخروج من الضيّق المحصور في الأنا، في المخبئ والمتكتم عنه وغير المصرح به إلى فساحة التعبير وإقرار حرية الأنا والآخر معا· أن تكتب وتعرف أن الكتابة أولى المسائل أهمية مذ عرفها الإنسان وتحولها سلطانا عليه ترتب البحث لأجل منفعتها في الحياة وما بعد الحياة؛ من يومها وهي ترتقي مع الحضارات وباختلاف لغات الشعوب؛ من الحجر إلى الرقمية الحديثة والعولمة· الكتابة خادمة الإنسان بإخلاص كما النار المسروقة من فم البركان، المأخوذة من بريق السماء، حافظ عليها الآدمي داخل مغارته بدافع حبه لنفسه وتحقيقا لرغباته وتأمينا من خوفه· الكتابة خطفا لنار الفكرة والإبداع والرأي ومثلما لم تعد النار حبيسة الكهف لم تعد الكتابة حكرا على الأثرياء والقياصرة والملوك بل صارت متاحة للجميع ولا يهم معرفة القراءة بعينين أو بإشارات أو بطريقة براي· هي الطاقة الكامنة داخل الإنسان المحترق بلهيب واقع مؤلم من جهة ''الكاتب الرسالي''؛ بحثا عن راحة وخلاص الإنسانية والعالم ''القديس''؛ منفعة ونفاق وزخرف الحياة ''كلب السلطان''؛ تشكيكا وفتنة ''كاتب المؤامرة''؛ والكاتب القضية هو من حمل همّا داخله، شحنة القلق والتوتر، إحساسا وشعورا وكيانا ذاتيا، تنظيما داخليا وبناء دافعيا· الهمّ أو القضية لهب مشتعل لا ينطفئ إلا بكتابته حروفا من أول المخاض إلى آخره، مهما تعسرت الولادة لتخضع لعملية قيصرية· رغبته المتأصلة فيه وعلى قدر مستوى الكتابة تتكون مستويات إبداعه· إن الرغبة في الكتابة شحنة تحركها الإرادة والتفكير فيها شيء يشبه الجنون، تتخلل تركيبة العقل العادية لتحوّلها إلى جهد واحتواء العقل في مركزه إلى هامش البحث حيث الهامش موضع ملاحظة دقيقة وعلامات مؤشرة محل انتباه· قبل التفكير في الكتابة، ألا يطرح الكاتب سؤاله: ما معنى أن أكتب شيئا عاديا؟ جدوى الكتابة؟ أنت تريد إذا أنت كتبت، أو ماذا تريد لتحاول الكتابة؟ من يخوّلك الكتابة إن كان حكم البشر نسبيا والعدل المطلق عند الله؟ هل وأنت تكتب تظل على موقفك مهما تغيرت المعطيات وأخذت النفس الغريزية متى أعطيت لها الامتيازات؟ هل تكتب وأنت مقتنعا بالديمقراطية والالتزام والتكامل داخل المجتمع الذي تكتب فيه؟ وترفض أن تسلب هذه الأمور من يعاكسك ويخالفك الرأي؟ ما معنى أن تكتب في واقع يعج بالملل والخيانة والمؤامرات والفتن؟ الأجوبة لا تكشف الأسئلة أحيانا وإنما تكشف جزءا منها لا غير· الكتابة تخضع للشك لا لليقين، تخضع لمبدأ تناقض اليقين في أن الكلمة وحي الله· الكتابة تخضع صاحبها للتحلي بالشجاعة الكافية لما هو مخبئ في ظلام الغيب الذي يخفي حزمة من أعواد الهاجس والخوف، الغيب الذي نكتبه معطرا بالطيب والبخور مبعدين عنا صور سياط العذاب والألم والمعاناة· الكتابة ليست ورود أقحوان ولا مفاتيح مدينة مثالية، ولا قرابة من أمير وسفير· أن تكتب يعني أن تنتظر المنفى والسخرية ومصادرة الحقوق والمبيت في العراء· أن تكتب يعني أن تكون مهيئا لما قد يطالك، حالة تأهب، الاستعداد للحظة خطف أو قتل أو محاكمة أو رميا بالسخرية والعزل· الكتابة توهج في حضرة الفكرة اللهب، استنفار لدعوة، الدعوة حديث النفس فيما يربطها باحتكاكها بما يحيطها؛ أن تكتب جديرا بك أن تخوض تجربة نفسك أو قبول تجارب تأتيك من محيطك الذي يؤثر فيك باستمرار· دعوة الكتابة بداية السؤال المرهون بالمعرفة المتصل بالقرائن· السؤال في الكاتبة ضروري، لأنه رأس الخيط··· يجر الإبرة لتخيط الثوب الإبداعي وتتفنن في إلصاق الواسع وحصره في إطار شكله الضيّق· السؤال يلد السؤال، يقبل بسؤاله ويتعدى غيره، يتكاثر كبنات النار المتنقلة في الهشيم إلى الهشيم الآخر· السؤال معقود بالطلب، الطلب جزء داخل السؤال المطلق غير المحدود، الطلب محدود وظاهر داخل السؤال المنتهي بالانفلات بلحظة الانتظار والإطالة والطريق المسدود والنسيان· الانتظار عامل من عوامل الوقت مثله مثل عجلة الاستعجال· الوقت والسؤال عاملا متلازمة كتابية· مفتاح الولوج عتبات القضية موضوع الفكرة اقتحام العتبات خاضع للمعرفة والعلم والبلاغة وإخراج الذكاء الذي يستهجن العبارات المنمقة الجوفاء الفارغة المزخرفة، الذكاء لا يحصره الخطاب والعبارات، اللغة في خدمة الذكاء؛ الذكاء كيفية الوصول إلى القارئ العادي وغير العادي على السواء مستعينا بالشرح والفهم· أن تكتب متحرجا يعني أن تضمر أفكارك ورؤاك التي تجعلها مستعصية على الفهم لأنها قد لا تفهم أو أنها تفهم خطأ لتدركك تبعات تهويمات القارئ· تهم الكفر والزندقة والتحريض والإساءة إلى الله وإلى رموز النظام والتاريخ· أن تكتب متحرجا متسترا، تقية لحفظ النفس واتقاء الشبهة، أن تكتب مواريا حجة الهروب لعدم فهم الآخر محتوى ما يقرأه لك؛ ليس كل ما يكتب هو موجه بالضرورة لقارئ بعينه، القارئ مستويات ووضع القارئ في الحسبان أثناء الكتابة نوع من الرقيب· حجب الفكرة أحيانا اتقاء الفتنة وإطاعة للقوانين المستبدة التي نحترمها ولا نخرج عن قوانينها لأن الكاتب هو الحرية والأمن والسلم، هو الكشف وفعل التغيير الهادئ· أن تكتب ابتغاء الوصول، الوصول في طريقه يحتاج إلى تبليغ بالوصول؛ نجاح إتمام حركة الانتقال مراعية التدقيق والتصويب متفادية الأخطاء· ''أكتب لنفس السبب الذي أتنفس من أجله إذا توقف فسأموت''··· هكذا تكلم إسحاق عظيموف· انتقال النص - الفكرة - الذي يعتمد على استيعاب القدر الكبير للقارئ أينما كان وحل· انتقال الخطاب يقتضي معرفة وجهة المكان، الخطاب يخضع للتصنيف، الجهة التي تستقبله تخضع للتصنيف، الناشر يخضع للتصنيف، نقل النص اليوم ممكن أكثر من أي وقت مضى· الانتقال اليوم سريع بفضل التقنية والرقمية والعولمة والهواتف المحمولة والإشهار السريع والجرائد الالكترونية· أن تكتب وتجمع ما تكتبه في قرص بحجم ظفر الأصبع يعني أنك تكتب للذكاء· إنها الكتابة الموجهة للقارئ الذي يتعسر وجوده في مكان محدد· خاصية التمايز ماذا يعني أن تكتب في واقع يتزاحم بالمعضلات والمتغيرات في حشر كثرة الكتّاب؟ أن تكتب يعني أن لا تعيد كتابة نصوص الآخرين، التحرر من تبعيتها، طرح إسقاطاتها، أن تكتب أن تضيف، أن تجدد وأن تكمّل، لا تزيح ولا تبغي أن تُزاح، التفرد مع الميزة والتميز كقاعدة؛ تحمل الأحكام بوجود المتشابه، تحمل اعتقاد الآخر، أنت مرهون بعامل الوقت وعامل السؤال· هل يعرف القارئ ما استعجلت فيه وما لم تستعجل؟ هل يعلم القارئ فكرتك فيما يخصّ الكتابة ومشقة وعذابات كتابة الفكرة؛ اللعبة الخطرة شبيهة لعب الأطفال بالنار؟ الكاتب مبدع متيقن دخول عتبة القارئ، الكاتب مبدع حين لا يلتفت لإزاحة نص آخر أو يحل محله، إنما يقدم الأجود ويترك للآخرين تقرير ما ثبّتوه في ذاكرتهم وفي الواقع أم رموه وراء ظهورهم بمجرد قراءة السطر الأول أو الصفحة الأولى· الكتابة الرسالة اختيار خطاب الجديد، الايجابية في الطرح مكملة لا منقصة ولا محطة من قيمة الكتابات الأخرى، مضيفة لا مكتفية· عتبات الدخول ودخول العتبات كبح للانبهار والتسرع، غربلة العقلي من الهوى، كبح البهيمية والتعصب ودوافع الشر من النفس وتحليتها؛ إطلاق النفس الملائكية المحلقة بروح الله الباحثة عن المطلق داخلها· أن تكتب يهني أن تلجم الانبهار لنجاح كتاباتك وما تحمل من أفكار التي تعيشها في ظلها· أن تلجم غرورك من العروض المقدمة والحشد المتدفق عليك والورود الملقاة عليك والتحايا· الزخم المعرفي وحده يمنحك الإمساك بظل الملتزم به اتجاه قضايا الشعب والفئة التي تنتمي إليها· عدم التسرع في تقبل الحكم أو الرضا عنه إنما الرأي فيمن أبطأ في إعطاء الحكم النهائي· عدم التسرع يدفع لمعاينة الإنتاج والبضاعة العقلية والروحية مرة بعد مرة، فهناك سوق نقدية موجهة لخطابك· الكتابة الجيدة لا تتحامل على المنطق وترفض المدح المسهب والمسقط في الغرور· الكتابة الجيدة الملتزمة رجوع للنص، حالة رؤية لحكم ونقل وتصويب، العتبة تؤلف، الوقوف لأجل النقل ومعرفة الفضاء الذي لا يتحمل الخطأ· الجزء الأول