عندما اعتلى المسرح في هدوء أسطوري محتضنا عوده، في هيئة بسيطة متحررة من ربطة العنق والبدلات الرسمية، كانت روحه تتهيأ لتمد جسورا إلى ما وراء البحار، حيث تقاوم الحجارة التاريخ، ويتحدى التراث قسوة النسيان، ويعلو صوت الأرض على صوت السجان·· من قهر فلسطين الأبدي جاء ملتزما بالكلمة والقضية ليضع بصوته ولحنه وروحه الملح على الجراح الذي لم ولن يندمل، إنه الفنان جميل السايح· زهور شنوف في سهرة تراثية مميزة من برنامج ليالي رمضان الذي سطره الديوان الوطني للثقافة والإعلام، قدم الفنان الفلسطيني الملتزم، جميل السايح، ليلة رائعة رفقة فنانة الأندلسي المميزة زكية قارة تركي، للجالية الفلسطينية المقيمة في الجزائر تشاركوا فيها مع جاليات عربية أخرى وجمهور جزائري من محبي الفن الراقي والكلمة الهادفة· في زيارته الثانية للجزائر بعد تلك التي افتتح فيها عكاظية الشعر الأخيرة، قرر صاحب المسار النضالي الثقافي والفني جميل السايح، إلا أن يحرك مشاعر الحضور بكلمات أغانيه القوية التي رافقه في أدائها كل من العازفين الثلاثة رامي وشاحة على الكمان، زاهي الرشماوي على القيثارة وسامر جودة على الطبلة··· كانت البداية مع حكاية ''حصان الغجر'' التي برزت ضمن الأعمال التراثية المميزة للفنان من خلال توظيفها في مسرحية ''عرس الدم'' لغارسيا لوركا التي قدمها المخرج المسرحي المغربي نجيب غلال، ليفتح بعدها جميل جراح فلسطين ويحكي قسوة يوميات شعبها وطول ليله في زمن الظلم والاستعمار بكلماته النافذة إلى صبر الأمهات وشتات اللاجئين وعذاب الأسرى··· وغيره من القهر الذي يعيشه الشعب الفلسطيني في كل لحظة منذ القرن الماضي. وفي الإطار نفسه تأتي أغنية ''يا راكبين الخيل'' والتي يصف من خلال حالة شخص مبعد عن الأرض له أهل في ''خان الزيت'' في القدس القديمة ويبعث مع الخيالة سلام لأهله ولأنه لا يأتمن غدر الصهاينة يوصيهم إذا وصلوا إلى بيته ووجدوا ''عريانة مصلوبة ع باب البيت'' بأن يغطوها فتلك لن تكون إلا أخته التي خلفها وحيدة بدون ظهر يحميها·· وفي أغنية ''هدي يا بحر''، يواصل جميل ورفقته فتح الجراح في الحديث عن المبعدين واللاجئين الفلسطينيين الذين لم يجدوا وسيلة ''هدي يا بحر هدي طولنا بغيبتنا·· ودي سلامي للأرض اللي حضنتنا''، ويستمر الفنان في وصف حال هؤلاء معرجا عن حال تلك أمهاتهن ''بعد أمي الحانونة بتشمشم مخدتنا''، وهي الحال التي تعيشها معظم الأمهات الفلسطينيات اللواتي لم يبق لهن من أبنائهن سوى الذكريات وتلك الرائحة التي تحفر في ذاكرة الأم بعد لحظة ميلاد صغيرها· السايح في الأغاني التي أداها، أول أمس، دخل كل بيت فلسطيني وفتح جرحه وجدد عهد الوفاء إلى القدس وهو يحلف بالعودة وبالدار في أغنيته ''يا غيمة يا أم القطر''، قائلا ''والله لزرع بالدار يا عود اللوز الأخضر وأروي ها الأرض بدمي'' وهي الكلمات التي حركة مشاعر الجمهور الفلسطيني المقيم في الجزائر بما فيها من عمق وعهد للقضية والوطن· هذا، واختتمت الفنانة الجزائرية زكية قارة تركي السهرة في وقت جد متأخر بأدائها المتميز في نوع الأندلسي، حيث قدمت في الزيدان انقلاب ''يا رشا الفتان'' و''يا ض وعياني''، ومجموعة خلاصات من أدائها الراقي· الفنان الفلسطيني جميل السايح ل ''الجزائر نيوز'': الصراعات السياسية تبعدنا عن قضية فلسطين الحقيقية بكثير من المرارة يتحدث الفنان الفلسطيني الراقي، جميل السايح، في هذا الحوار المقتضب ل ''الجزائر نيوز'' عن الوضع السياسي، الثقافي والفني·· الذي يعيشه الشعب الفلسطيني المحتل في يومياته القاسية·· حاورته: