لخضر بن طوبال، العربي بلخير، فضيل شريف، سماعيل العماري، بشير بومعزة، محمد الصالح منتوري، صالح بوبنيدر، الحاج بن علا، عبد الرحمان بن حميدة، بلقاسم شريف··· والقائمة لا تزال مفتوحة· كلها أسماء غادرت الجزائر إلى غير رجعة في ظرف لا يتجاوز الثلاث سنوات، وأخذت معها علبها السوداء مملوءة بالأسرار·· الأسرار الجميلة والقبيحة والصادقة التي وجب توضيحها وتكذيبها، رحلوا دون أن يعرفهم جيل الاستقلال، وما قدموه له قبل وبعد الثورة·· إنهم ينطفئون كما الشموع، تاركين وراءهم تيها وجنونا دراميا في سراديب الذاكرة الجزائرية·· عاشوا زعماء الكلام والقرار في الحدث والساحة السياسية وماتوا زعماء الصمت والسكون·· إننا ندفنهم واحدا تلوى الآخر وجنبا إلى جنب بعضهم بعضا في مقبرة العالية وندفن معهم ذاكرتنا·· من ذا الذي يملك من أسرار ما كان يملكه العربي بلخير واسماعيل العماري وفضيل شريف عن جزائر الثمانينيات والتسعينيات، ومن ذا الذي يملك ما كان يملكه بشير بومعزة وصالح بوبنيدر والحاج بن علا عن الثورة وما بعد الثورة، ومن ذا الذي يملك ما كان يملكه شريف بلقاسم عن أسرار جماعة وجدة وخزانة أسرار الرئيس هواري بومدين وقراراته التي اتخذت في الكواليس المظلمة لجبهة التحرير وخارج جبهة التحرير· إن معظم هؤلاء العظماء الذين صنعوا جزائر ما قبل وبعد الاستقلال بلحمتها وممزقها، رحلوا دون أن يتعرفوا على الشعب الجديد أو يتعرف عليهم·· إن مشاهير الأمس أصبحوا مجهولين اليوم، وكذلك للأسف يسير على خطاهم كثيرون ممن لا يزالون يتمتعون بنبض القلوب، لقد سكنهم هوس ''لماذا أنا وليس الذين سبقوني؟''·· لماذا أبوح بالاسرار بينما لم يفعل الذي سبقني إلى الدار الآخرة·· أتراه خاف من أن تصيبه لعنة الأجيال المتعاقبة إذا عرفت الحقيقة أم تراه حسب أن الرياء يقول، لو ذكر حقيقة الإنجاز·· لقد ذهبت معظم القطع الشاهدة للعلبة السوداء الجزائرية ودفنت في العالية، وستُدفن قطع أخرى دون أن تطلعنا على أسرارها، وإذا كان نقاش ما بعد الاستقلال، أين هو تاريخنا الحقيقي للثورة، فسيأتي يوم سيتحول فيه النقاش حول تاريخنا الحقيقي لما بعد الاستقلال·· وسنظل على هذه حتى نُكتب في التاريخ بأننا شعب بلا هوية لأن الهوية هي التاريخ·· التاريخ بكل مرارته، حتى تبني الأجيال نفسها بالصحيح على أخطاء الماضي·