يتعرض الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، في الأيام الأخيرة، إلى أعنف حملة إعلامية وسياسية تعاضد على تأجيج نارها صحافيون من اليسار واليمين وسياسيون جدد ومخضرمون· عبروا بأشكال مختلفة، عن استنكارهم لشطحات الرئيس الذي أسس، بقراراته غير المسبوقة، لجمهورية غريبة هجينة لم يألفها الفرنسيون المؤمنون بقيم الجمهورية ومبادئها التي جعلت من فرنسا قاطرة الديمقراطيات في العالم· وقد وجد ساركوزي نفسه في مواجهة تُهم لم يكن يتصور أن تلصق به لما دخل قصر الإيليزي مظفرا سنة .2007 فهذا الذي لا يتردد في تذكير الفرنسيين بأنه القيم على حماية الجمهورية ومبادئها، كلما سن قانونا جديدا يثير جدلا، يواجه اليوم أخطر تهمة يمكن أن توجه إلى رئيس إحدى أكبر الجمهوريات الديمقراطية في العالم، وهي تهمة التنكر لمبادئ الجمهورية الكبرى!! بعد أن أقدمت حكومته على طرد الغجر رغم حمل بعضهم للجنسية الفرنسية، وعلى شن حملة تضييقات واسعة على المهاجرين تدعمها قوانين صيغت لتقنين استهداف الأجانب المقيمين في فرنسا· ويوم الإثنين 13- 09- 2010 فتحت جريدة ''لوموند'' النار على الرئيس ساركوزي مباشرة حيث اتهمت الإليزي بأنه استخدم سلطاته للتجسس على صحفي يعمل بالجريدة لمعرفة أحد مصادره في فضيحة ''فيرت- بيتانكور'' التي أحرجت ساركوزي، وجعلت صديقه المقرب وزير العمل يتعرض لحملة شعواء اتهم فيها بالفساد المالي· ولم يسلم ساركوزي من شظايا هذه التهمة لأن الأبحاث والمؤشرات تدل على أنه متورط في الحصول على أموال من الشركة التي تملكها السيدة ''بيتانكور'' لتمويل حملته في مقابل مساعدتها على التهرب من دفع الضرائب!! وقد أصبحت هذه القضية-الفضيحة في أيدي القضاء بعد أن تعالت صيحات الفزع التي تستنكر العلاقة المريبة بين بعض السياسيين وأصحاب رؤوس الأموال في فرنسا زمن حكم ساركوزي· لقد أدرك الرئيس الفرنسي، رغم استعداده للمواجهة، أن شعبيته في هوة التدني، وأن الطريق إلى مدة رئاسية ثانية أمست ضبابية بعد تتالي نكسات سياسته الداخلية؛ إذ رغم إقرار قانون التقاعد، فإن الفرنسيين أمسوا في خوف من الإصلاحات والإجراءات التي تروج لها الحكومة، وباتوا غير واثقين من خطابها؛ ويبدو أن الرئيس قد خسر معركة إصلاح نظام التقاعد من حيث ظن أنه انتصر، بعد مرور القانون· فلم يجد أفضل من الفرار إلى الأمام عبر اللعب على مشاعر الفرنسيين ''المهووسين'' بقضايا الأمن وبإصراره على تمرير قانون ''منع البرقع'' في الأماكن العامة الذي لا يمس إلا أقل من ألفي إمرأة، أراد أن يكسب معركة الدفاع عن ''لائكية'' فرنسا، والتصدي بحزم لجميع أشكال التطرف، وهو يدرك أيضا أن التضييق على الأجانب من شأنه أن يجلب له أصوات اليمين المتردد الذي لا يخفي كرهه لهم· إذن، كلما شعر الرئيس الفرنسي بالخطر عاد إلى غطاء ''الهُويّة'' و''الأمن'' يلوذ بهما ليظهر في صورة الرئيس الحامي لقيم الجمهورية المهددة من التطرف، ومن الهجرة السرية· لقد نجحت ''لعبة'' ساركوزي في ,2007 واستغل تشرذم اليسار لكن ألاعيبه السياسية أصبحت مكشوفة بعد أن حصلت قناعة لدى كثير من السياسيين في فرنسا بأن النظام السياسي الذي أرساه ساركوزي يهدد قيم الجمهورية· وكل فرنسي -مهما كان توجهه السياسي- لا يحتاج إلى قوانين كي يقتنع بأن الدفاع عن قيم الجمهورية لا يكون بالتشجيع على التهرب الضريبي، وبالتجسس على الصحافيين وتهديدهم، بل بتوضيح العلاقة بين السياسي وصاحب رأس المال وبفسح المجال للقضاء كي يضع يده على كل الملفات·