أعجبني مقال هذا الباحث الجليل، عادل الطاهري، الذي اخترت له هذه الفقرة من مدونة له عبر الأنترنت تحت عنوان ''التطرف الديني وإشكالية تعايش الإنسان'' يقول: ''إن التطرف عموما ظاهرة نفسية، عويصة ومعقدة، وهذا الشعور ''اللاإنساني'' هو سلوك سلبي لا يخلو من مؤثرات خارجية، والتطرف لا يمس إلا بالأقربين من المتطرف الذي يعيش هستيريا التطرف تلك، أقصد أن التطرف لا يعيش إلا في الهوامش والجوانب، فهو في مسيرته ''لا يتقدم''، وفي زحفه العنيف لا يتصادم إلا مع تلك الجماعات التي يقال عنها عادة بأنها ''معتدلة''، ولا يختص بدين دون آخر، أو بأيديولوجيا معينة، دون سواها، بل إنها حالة نفسية قد يعيشها أيّما إنسان بغض النظر عن عقائده واختياراته الفكرية، من هنا، فليس غريبا أن يخلو التاريخ من إنجازات حققها المتطرفون، ببساطة، لأنهم يعيشون صراعا داخليا مستمرا يحول دون انفتاحهم على الحياة، بآفاقها المتجددة وتجلياتها المستحدثة في سياق تطورها، فضلا عن أن تكون لهم يدا في تسطير صفحات مشرقة في السجل التاريخي''. ليس هناك إذن بشر عاقل، يؤمن بأبسط المبادئ الإنسانية أو الدينية، أن يقبل بالفكر التخريبي الإجرامي اللاإنساني، قد يمارس قناعاته تلك بأيدي أبنائنا ويشجع من كثيرين من رجال الدين والفتاوى في مجتمعاتنا أيضا·· ولكنه يبقى إنسانا مسيئا لدينه ولمجتمعه، ورغم أن ممارسات هؤلاء التكفيريين لن تستطيع أن تغير في مجريات الأحداث، فهم مهما قتلوا ودمروا لن يستطيعوا أن يستولوا على عقول كل الناس ولا على إدارة السلطة في البلاد، لأنه حتى لو فشلت السلطة في التصدي لهم، فإن الشعوب هي التي ستقاومهم إلى آخر فرد فيها، وتجربة الجزائر بارزة للعيان.. نحن وإن تفهمنا كثيرين من هؤلاء الإرهابيين لظروفهم الحادة أحيانا، فمنهم المظلوم ومنهم الفقير ومنهم المغلوب على أمره، لكننا لا يمكننا أن نجد تبريرا لسلوكياتهم، فلو كان التهميش والفقر سببا لكانت ملايين أوروبا وأمريكا الذين يفترشون الشوارع في ليالي الشتاء القارصة أكبر خزانات التدمير العالمي.. حقيقة، إن فشل التنمية الوطنية في الجزائر في العقود الماضية وانتشار الفساد وانعدام الديموقراطية، ظروف عملت على توفير المناخ لهؤلاء القتلة، لكننا لابد أن نعترف أيضا بأن استغلال الدين في الممارسة السياسية بسط العنف وجعله وسيلة قمع وإجرام ضد المجتمع، مما نفر الناس من الدين وحمل الإسلاميين مسؤولية ذلك، وكما أقنع رجالهم بذلك تم إقناع نسائهم أيضا، فأصبحت الظلامية إذا ما قادها أب الأسرة استقرت في جل أعضائها· لكن المؤسف حقا هو أن هناك وسائل إعلامية في بلدان مسلمة غذت ذلك وحثت على القتل والتدمير، فالإعلام الذي كان يعتمد مبدأ العلم والمعرفة هو الذي كان يدعو بطريقة ممنهجة إلى الظلامية والحقد وإلى الحقد والقتل من منطلق الحقيقة الإعلامية والسبق الصحفي. جاء في الشرع بالنسبة للتطرف، بتحريمه للغلو بما في ذلك التطرف في الأقوال والأفعال والاعتقادات، واستخدم أنواعا من الأساليب والدلالات في بيان ذلك، تارة بتعبير النهي وتارة بالتحذير من مشابهة الكفار في الغلو، وتارة بتبيان أن ''الغلو سبب للهلاك'' وهذا ما اتفق عليه فقهاء الشريعة أيضا لتحريم الغلو بجميع صوره وأنواعه··· قال تعالى: ''يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إلَّا الْحَقَّ'' . وقال تعالى أيضا: ''قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْم قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا السَّبِيلِ''، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ''يا أيها الناس إياكم والغلو في الدين فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين'' (رواه النسائي)··· وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: ''لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، إنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله'' (متفق عليه)· كما نقل عن مسلم عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ''هلك المتنطعون'' وقد أكدها ثلاثا·· فهل أكثر من هذا تحذيرا من الغلو، وهل هناك أكثر من هذا تنبيها وتشريعا·· لتذكر المغالون أنهم لا يمكون الحقيقة·· كما أننا لا نملك العلم كله·· المهم أن نتعايش ويتقبل بعضنا البعض مثل غيرنا وإلا ذهبت ريحنا والأمثلة على ذلك كثيرة جدا. لم يرد مصطلح التطرف الديني كلفظ في الشرع، لكنه استعمل من طرف بعض العلماء ك ''النووي وابن تيمية''، في معناه اللغوي: ''الوقوف في طرف الشيء، والخروج عن الوسط والاعتدال فيه''، وهو يشمل الذهاب إلى طرف التشديد وإلى طرف التسهيل·· يقول الفقيه المسلم ''الجصاص'' في ذلك أن:''طرف الشيء إما أن يكون ابتداؤه أو نهايته''، والغلو لغويا يعني: ''المبالغة في الشيء بأن يزاد في حمد الشيء أو ذمه على ما يستحق''، ويقول ابن تيمية: ''إياكم والغلو في الدين''·