مع نهاية هذه السنة، ,2010 يكون الميزان التجاري الجزائري قد حقق فائضا يقارب ال 15 مليار دولار، أكثر من 99 بالمائة منها بفضل تصدير المحروقات· والفضل في ذلك، كل الفضل، يعود لارتفاع أسعار البترول، أو عودتها للارتفاع بعد سقوط حر سنة واحدة من قبل· وبقيت صادراتنا، خارج البترول والغاز، في حدود المليار دولار أو أكثر بقليل، حسب تمايل نسبة صرف الورقة الخضراء بالنسبة إلى اليورو· ومع نهاية السنة الحالية جاءت مجموعة من التصريحات، دارت عند بعض الخبراء، حول ''شيخوخة'' الاحتياطات الجزائرية، خاصة بالنسبة إلى الغاز الطبيعي، وفهم البعض الآخر أن تصريح وزيرنا للطاقة والمناجم، السيد يوسف يوسفي، حول ضرورة تكثيف عمليات التنقيب، يزكي تقديرات الخبراء والاقتصاديين، وتخمينات السياسيين والصحافيين· ثم جاء، أخيرا، تصريح الوزير الأول، السيد أحمد أويحيى، أثناء عرضه مخطط السياسة العام للحكومة في المجلس الوطني، رادا على الجميع بقوله: ''الثروة البترولية والغازية في الجزائر بخير، والاحتياطي الجزائري لا خوف عليه ولا هم يحزنون''· وما يبرر الرد الحكومي إنما هو القلق المقابل المحتمل عند زبائن الجزائر وبخاصة فيما يتعلق بالغاز· ولكن لا تصريح أويحيى ولا تصريح يوسفي يعكسان القلق العام لدى السلطة، ولدى طبقة الاقتصاديين الجزائريين، من مستقبل ما بعد البترول في الجزائر· فعلى المدى القريب جدا، ليس هناك ما يضمن استمرار ارتفاع أسعار الذهب الأسود، وبالتالي فإن انخفاضا حادا كالذي عرفته السوق سيؤدي حتما إلى مراجعة الغلاف المخصص للمخطط الخماسي - 2014 2010، المقدر ب 286 مليار دولار· كما أن بقاء الأسعار في حدود متوسط 75 إلى 80 دولارا للبرميل من شأنه أن يوفر عائدات كافية لتمويل المخطط في مشاريعه المحددة مسبقا، وتغطية العجز الملاحظ في المخطط السابق، كما يسمح بتغطية مخططات الحكومة فيما يتعلق بالصناعة والفلاحة، وتغطية القرارات المتعلقة بالزيادات في الأجور ومختلف التعويضات· وما عدا ذلك، فعلى الرغم من أن الميزانية العامة عرفت عجزا ب 3500 مليار دولار هذه السنة، فإن الوضعية المالية في الجزائر تبقى في حدود المعقول، إذا عرفنا أن هذا العجز لا يعكس حقيقة ما تتوافر عليه الدولة من أموال· فإلى منتصف ديسمبر ,2010 وصل احتاطي الصرف في الجزائر إلى حدود 157 مليار دولار، وبلغت أموال صندوق ترشيد الإيرادات 4300 مليار دينار، يعني أكثر بقليل من عجز الميزانية· هذه السعة المالية أبعدت عن الجزائر النتائج الوخيمة للأزمة الاقتصادية العالمية، التي بدأت في أمريكا، ثم انتقلت إلى أوروبا، بالخصوص، ومست بطريقة أو بأخرى، وبدرجات مختلفة، سائر البلدان المنضوية في شبكة النظام المالي العالمي، ولكن الآثار المنعكسة عن مختلف السياسات الاقتصادية وصلت إلى الجزائر، فكان ما وصفه بعضهم بالعودة إلى الاقتصاد الموجه من خلال قرارات قانون المالية التكميلي ,2009 وما شهده من تطبيق فعلي في السنة الموالية· وكان المدير العام لصندوق النقد الدولي في زيارة للجزائر قبل شهرين حيث قال: ''أنا أتفهم السياق العالمي الذي جاءت فيه هذه الإجراءات الحمائية، ولكنها لا تفرحني على الإطلاق''· ومن علامات ذلك العودة إلى اعتبار الشركات العمومية الكبرى من خلال قرار إعادة تمويلها والزيادة في حجم الاستثمارات التي تستفيد منها سواء من صندوق دعم الاستثمارات، الذي أنشئ هذه السنة، أو من خلال أموال الخزينة العمومية· ويختلط الأمر بين قرارات تصب كلها في قالب التردد والملاحة في الظلام وبين قرارات صحيحة ولكنها تلتبس بغيرها ليحسب كل شيء على سوء الرؤية· ومن الصحيحة ما صرح به وزير التجارة قبل أيام من أن الجزائر طلبت من الاتحاد الأوروبي تأجيل دخول اتفاق المنطقة الحرة مع الاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ من سنة 2017 إلى 2020 · وهي محاولة لتصحيح خطأ التسرع في إمضاء عقد الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، فحسب السيد علي ناصري، الخبير في التجارة الدولية، فإن الجزائر تخسر سنويا ملياري دولار بسبب تخفيض الحواجز الجمركية، وسيؤدي رفع هذه الحواجز بسبب منطقة التبادل الحر سنة 2017 إلى خسارة أكثر من ثلاثة ملايير دولار· والسبب الذي قدمته السلطات الجزائرية لطلب التأجيل هذا هو إعطاء فرصة أوسع للمؤسسات الجزائرية لتحضير نفسها أكثر للمنافسة، وجعلها أكثر قدرة على التصدير· فقد أفاقت الجزائر على واقع آخر يتمثل في تقلص حاد لنسبة مساهمة الصناعة الجزائرية في الدخل الوطني الخام إلى 5 في المائة، ومن ثم جاءت تصريحات المسؤولين بضرورة التفكير في العودة إلى التصنيع والوصول بالقطاع إلى ما نسبته 10 في المائة على الأقل بعد أربع سنوات· ولا تمثل هذه الأرقام بالنسبة للمختصين شيئا في حد ذاتها، فالجزائر تستطيع أن تصل إلى أكثر من عشرة بالمائة إذا هيئت الأجواء المحيطة بالأعمال: كالدور الذي على البنوك أن تلعبه، أي توفير القروض (البنوك الجزائرية تتوفر على 1100 مليار دينار)، والاهتمام بالتكوين المهني وتكوين المسيرين، والعمل على إيجاد الثقة بين المتعاملين الاقتصاديين، وبخاصة القطاع، والحكومة وما يتبعها من مؤسسات··إلخ، وفي حالة العكس فإن نسبة ال10 في المائة وهمية، بل إن نسبة ال5 في المائة نفسها تبقى مهددة· ويمر التصنيع والفلاحة والخدمات والسياحة وما إلى ذلك من أوجه النشاط الاقتصادي، بقدرة البلاد على خلق المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وفي هذا المجال تأتي الجزائر في مؤخرة الصف المغاربي من حيث عدد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فالمغرب الأقصى يتوفر على ضعفي ما تتوفر عليه الجزائر، وعددها في تونس يفوق العدد الجزائري·· والهدف الذي أعلنته الحكومة يصبو إلى مضاعفة العدد الموجود حاليا ليقارب المليون، رهان صعب للغاية في المدى المنظور·