خرج الشباب الجزائري إلى الشارع، يحرق، يخرّب الممتلكات العمومية، ينهب، يسرق، يعبّر عن غضبه بطريقة أشبه إلى الانتقام منها إلى أي شيء آخر·· لكن ممن ينتقم؟!! هل هذا موقفه الواعي من سياسة السلطة تجاهه؟ أم هي حالته البائسة ووضعه المزري؟ هل هو يأسه أم عجزه؟ أم هي حالة لاوعي، قد يفيق بعدها ولا يجد ما يحرقه أو ينهبه، أو ربما يفيق وهو في غياهب السجن؟! إن المتتبع والدارس لحالة الشباب الجزائري اليوم من علماء النفس وعلماء الاجتماع وحتى رجال الدين، يدرك بما ليس فيه مجال للشك أن المشكلة الحقيقية، لا هي في السلطة ولا في الشعب، إنما المشكل الحقيقي يكمن في الفرد ذاته، فرد لا واعٍ، لا يتمتع بدرجة وعي تجعله مواطنا، يؤمن بالدولة الوطنية، يؤمن بالمشاركة، بالسلم، بالتسامح، بالديمقراطية وبالجمعوية والتضامن، وهذه كلها قيم لا نستيقظ في الصباح فنجد أبناءنا قد تشبعوا بها، إنما الأمر أكثر من ذلك·· لقد حان الوقت لنقول إن الحل يكمن في التربية والتعليم، كيف بأمة لا تتعلم، لا تحب العلم ولا تحب المتعلمين أن تعيش في سلام وأمن؟·· علينا أن نعترف أن قطاع التربية والتعليم عندنا ضعيف، بل مريض يحتاج إلى طبيب مداوٍ، إن الشباب اليوم يتهدده خطر حقيقي، خطر عدم الانتماء والاغتراب النفسي· لقد آن الأوان لنقول كفى لسياسة الترقيع والهروب إلى الأمام، علينا أن نولي أهمية كبيرة لقضية التعليم في الجزائر، بناء الأوطان لا يكون بتجهيل الناس أو تفقيرهم، إنما بمنحهم القدر الكافي من التعليم، حيث يتعلمون ليكونوا أعزاء مكرّمين في وطنهم أو في أوطان غيرهم· نعم، إن الحل يكمن في زيادة الوعي، وعي الفرد بذاته وبالآخرين، إلى متى ونحن نصنع أعداءنا الوهميين، عدونا الحقيقي ليس مصر، ليس المغرب أو تونس، ليس أمريكا ولا حتى إسرائيل أو الإرهاب، كما ليست فلسطين أو العراق، عدونا الأول وقضيتنا الأم هي نحن، ونحن نعيش أزمة هوية، أزمة نكران للذات، نعيش لحظة الإلغاء والإنكار·· لقد حان وقت المصارحة والشجاعة، نحن مرضى ولا بد أن نقرر الشفاء، لأننا إذا لم نقرر الشفاء، فلن ندع أحدا يقنعنا بذلك·