لم تتوقف ظاهرة تلفزيونات الواقع عند الممثلين والمعلقين الرياضيين والمطربين، حيث أصبح بإمكان أي شاب أن يتحوّل إلى نجم في غضون أسابيع قليلة، بشرط أن يكون تحت رعاية ''بار'' كبير يصرف عليه الملايين الكثيرة في شكل رسائل نصية قصيرة (أس أم أس)، حيث يتقاسم الفائدة ذلك النجم الصاعد مع المحطة التلفزيونية والمنتج وتتهاطل ملايير الإشهار من كل جهة. لقد تعدت هذه الظاهرة المجال الفني إلى الثقافة بمفهومها الواسع، وأصبحت صناعة لقب ''أمير الشعراء'' الذي كان حكرا على أحمد شوقي وبعد الأخطل الصغير، لا تتعدى تلك الخلطة الجاهزة، ونحن نرى برامج من هذا القبيل تتكاثر ومعها تتم صناعة الشعراء عن طريقة تزكيتهم لا عن طريق لجنة من كبار الشعراء المشهود لهم، وإنما عن طريق تلك الرسائل النصية من باب أن للجمهور رأي في الأمر وسلطة المتلقي البسيط تكاد توازي سلطة الأستاذ الأكاديمي، لكن اللجوء إلى هذه الفكرة لا يخلو من رائحة المال، إن لم تكن هي غايته الوحيدة. وعلى غرار ما حدث في مسابقات ستار أكاديمي للمطربين والفنانين الاستعراضيين، نلحظ الكثير من المحسوبين على الشعر والشعراء تتم عملية إنقاذهم من الإقصاء في كل مرة عن طريق التصويت بالرسائل النصية القصيرة، في وقت يسقط فيه بعض أصحاب المواهب الشعرية الحقيقية لأنهم ليسوا تحت رعاية هذا ''البار'' أو ذاك، الذي بإمكانه إرسال ملايين ''الأساماسات'' في ليلة واحدة بإمكانها إغراء منتج البرنامج بالمال من جهة، ومن جهة أخرى يصبح من خلالها المتنافس مهما كان مستواه ضحلا أن يتفوق على المتنبي وهوميروس مجتمعين. وعلى غرار الأكلات سريعة الجاهزة، نحصل في النهاية على ''أمراء جاهزين'' للشعر يتكاثرون في كل برنامج ولا يكاد يعرفهم أحد خارج تلك الدائرة، بل ولا يكون لهم أي أثر في المتن الشعري الحقيقي خارج ''متن الميديا'' الذي يعز من يشاء ويذل أصحاب المواهب الحقيقية، على حساب الشعر الذي تحوّل إلى بضاعة رخيصة تصيب مستهلكها بكل الأمراض التي تسببها تلك الوجبات الاستهلاكية السريعة وكلنا يعرف مخاطر تناول تلك الوجبات.