الديمقراطية في العالم العربي مبنية على معادلة ( س + س) التي تعطي في الرياضيات قيمة = صفر، أما في السياسة فلا تساوي إلا العبث، إنها ثنائية التقابل الضدي. الديمقراطية في العالم العربي ما هي إلا اتجاه معاكس، والحاكم بدهائه ومكره ما هو إلا فيصل القاسم، والمشاهدون المستمتعون بصراع الديكة ما هم إلا الأغلبية الساحقة من (الجمهور/ الشعب)؛ أغلبية منقسمة إلى رأيين متضادين، بحيث يكون هذا التضاد هو في حد ذاته الخط الافتتاحي ل (البرنامج/ الدولة) الذي يضبط نسبة حدته وبرودته الحاكم بما لديه من أجهزة لصناعة الغباء، حتى يتمكن من ترويض رعيته باسم الديمقراطية، كما يروض فيصل القاسم جمهوره باسم شعار الرأي والرأي الآخر. لدى فيصل القاسم ''جزيرة''، بها مال وأعمال ورجال وغرف ماكياج، ولديه مراهنون وحلبة متحمسة لاستقبال الضيفين كل ثلاثاء، كما في برنامج ''عمالقة المصارعة الحرة''، حيث يواجه الشيخ ''اندرتيكر'' نظيره المثقف الليبرالي ''شون مايكلز''، تحت تصفيقات الجمهور، ويكون الدكتور فيصل هو الحكم والفيصل بينهما، ليس لفرض قوانين اللعبة وشروطها، فهي لعبة بلا قوانين ولا وشرط، بل لخلق التوازن المطلوب تحقيقه. إنه يحرض هذا على ذاك ثم يشجع ذاك للرد على هذا، وبين هذا وذاك، وذاك وهذا، تسقط الآراء الأخرى في الضجيج الفادح والغوغائية المترهلة. البقاء للرأي والرأي الآخر، وما بينهما من الآراء يقع تحت (جزمة) فيصل القاسم، كما تقع الآراء الأخرى تحت حذاء الحاكم العربي الذي يعمل على اختلاق معارضين له باسم الدين ويضعهم على يمينه، ومعارضين له باسم الحداثة والعلمانية والليبرالية ويضعهم على شماله، ثم يقول لهم: ''هيا تصارعوا لأبدو (أنا) ديمقراطي''. والواقع أن عمالقة المصارعة في السياسة (عمرهم ما قصْروا)، إنهم يؤدون الدور جيدا حتى لتكاد تصدقهم وتكذب نفسك. كما يؤدي أبطال (الإتجاه المعاكس) دورهم في تدجين ما تبقى العقل العربي. في المدة الأخيرة جند الإسلاميون بتونس عشرات النساء في مسيرة للمطالبة بالنقاب والحجاب، كن شابات و(معهن شباب) يصرخن في وجه (ال لا أحد) ويرددن شعار ''كلنا مع الحجاب''. كانت كل واحدة منهن ترتدي حجابا وتطالب بارتداء الحجاب. تطالب من.. ما دام لا يمنعها أحد من ارتدائه اليوم؟.. وتطالب لصالح من.. ما دامت هي نفسها تردي حجابا؟ ولماذا يتظاهر الشباب معهن.. هل يريدون ارتداء الحجاب هم أيضا..!!؟ ربما يجند حداثيون غدا نساء في مسيرة يطالبن بارتداء (مايوهات بيكيني) في الشارع. ويحتدم الصراع في ما ترتدي النساء وما لا يرتدين. وربما يغالي أصحاب الرأي ويطالبون بالبرقع، فيرد أصحاب الرأي الآخر ويطالبون بالتعري الكامل. وهكذا ينجح عمالقة المصارعة في سحب الجمهور من القضايا الحقيقية إلى القضايا الجانبية المفتعلة. أليس هذا موضوعا جيدا لبرنامجك القادم يا فيصل القاسم؟؟.. أليست قضية جيدة يا بقايا ''التجمع الدستوري'' تشغلون بها التونسيين لعهدكم القادم؟؟.