لفت صديقنا ياسين شابي انتباهنا إلى أن المنع الذي تعرّضت له قناة الجزيرة في مصر لم يمنعها من مواصلة تغطية الأحداث بالكثافة نفسها· وفي مقاله المنشور، أول أمس، ب ''ألجيري نيوز'' يعرض ياسين مختلف الحيل التقنية التي تلجأ إليها القنوات الإخبارية لملء الفراغات وإيهام المشاهد أن كل الصور تتشابه ولكنها لا تحمل الخبر نفسه، وأن تكرارها لا يعني سد الفراغات، بقدر ما يتعلق الأمر بإضافات جديدة وضرورية· ويضرب مثالا بصورة الشاب التونسي أمام وزارة الداخلية ليقول: إنها بثت، ودون مبالغة، لأكثر من ألف مرة· وبطبيعة الحال، فإن الجزيرة تلجأ، كغيرها، إلى هذه الحيل· كما نتصور أنها تتوافر على مجموعة من البدائل التقنية، في التصوير والإرسال، تسعفها في مثل هذه الأحوال· هذا دون أن ننسى اعتمادها على الصور التي تأتيها من مختلف الجهات عن طريق شبكة الأنترنت· ومع كل ذلك، فإن القناة القطرية تحوّلت في الأربع والعشرين ساعة الأخيرة إلى ما يشبه الإذاعة التي تعتمد على الصوت أكثر من اعتمادها على الصورة، ولكن من الصعب تبين ذلك لأنها لم تتخل عن حيلة تكرار الصور والتعليق عليها، وتكرار المواضيع نفسها مع تعديلات طفيفة في شكل التعليقات لا في معانيها· وقد لاحظ العديد من الملاحظين أن الكثافة التي ألزمت الجزيرة نفسها بها قد تراجعت مع مرور الساعات، ما في ذلك شك، ولكن الإصرار على المعالجة المستمرة للانتفاضة المصرية على مدار الساعة لم يتوقف· كل هذه المعطيات وغيرها تقدم لنا تفسيرات عن وضعية الجزيرة، كقناة تلفزيونية إخبارية، وسط منافسة شرسة مع مجموعة أخرى من القنوات الناطقة بالعربية، أمام حدث في مستوى غضب الشارع المصري، ولكن -أيضا- أمام القنوات العالمية كالأمريكية والبريطانية والروسية والفرنسية··.إلخ. يبقى أننا في حاجة إلى الإجابة على سؤال آخر: ما سر قوة الجزيرة؟ ولا نقصد بالطبع قوتها الإعلامية ولا التقنية، وإنما نقصد ما تمنحه الجزيرة لنفسها من سلطة سياسية إلى درجة أنها توهمنا باحتضان الثورات، وتنظيمها وتغذيتها وتوجيهها وإدعاء الإطاحة بالأنظمة والحكومات· وقد سمعنا من يقول: إن الجزيرة هي التي أطاحت بالرئيس التونسي ونظامه· والأكثر من ذلك أن فريق الجزيرة نفسه اقتنع بذلك وراح يعمل في هذا الاتجاه فيما يتعلق بمصر· ونعتقد أن هذه النرجسية هي التي دفعت بالسلطات المصرية إلى توقيف بثها على القمر الصناعي المصري، النيل سات، وغلق مكتبها بالقاهرة وإلغاء اعتماد فريقها· وإذا كان المسؤولون في السلطة الفلسطينية قد استنتجوا من نشر الجزيرة لوثائق المفاوضات مع الإسرائيليين، عداء قطريا رسميا للسياسة الفلسطينية لصالح الأمريكيين، فإن شيئا من ذلك لم يحدث من الجانب الرسمي المصري إلى حد الآن، على الرغم من أن أخبارا عديدة ظلت تتسرب، منذ سنوات، عن خلافات حادة بين مصر ودولة قطر· إنه سر آخر ستجيبنا عنه الأيام القادمة، قد تكون بدايته من توقيف خمسة صحافيين يعملون بالقسم الإنجليزي للجزيرة بالقاهرة·