خرجت الجامعة العربية بقرار قيل أنه أحرز الإجماع بخصوص الموافقة على تدبر مجلس الأمن مسألة فرض حظر جوي على حركة الطيران العسكري في ليبيا، غير أن ما أتفق على تسميته ''إجماع على الموافقة'' شابه شيء من التشكيك في هذا القرار، على اعتبار أن بعض الدول العربية أبدت مخاوف من إمكانية أن يكون هذا القرار بمثابة بوابة السماح للتدخل العسكري الأجنبي في دولة عربية وهو المنطلق الذي بررت به سوريا موقفها، على اعتبار أن مندوب سورية الدائم لدى الجامعة العربية كشف مخاوف بلاده من أن يكون هذا القرار تمهيدا لتدخل عسكري خارجي، بل ذهب لأبعد من ذلك، إذ أكد قلق سوريا من احتمال تقسيم ليبيا بموافقة عربية· وقد كان الموقف السوري واضحا وصريحا بهذا الخصوص، حيث أكد ممثل سوريا أن بلاده لن تكون طرفا في مثل هذا المخطط· المثير أن وسائل الإعلام العربية ومعها العالمية كانت قد أكدت قبيل التوصل لهذا الإجماع على أن عدد الدول العربية الرافضة لفرض حظر جوي على ليبيا قد تجاوز الثلاثة، في إشارة إلى كل من الجزائر، اليمن وسوريا، لكن سرعان ما تغير الموقف ليصبح إجماعا عربيا وموافقة على تسليم أمر فرض حظر جوي على ليبيا لأيادي مجلس الأمن الدولي· والحال أن المسألة الليبية وإن في الظاهر حافظت على شكلية الموافقة الجماعية إلا أنها في واقع الأمر كشفت عن تحفظات عدد من الدول العربية، بما فيها الجزائر التي أكدت على لسان وزير الخارجية السيد مدلسي مخاوفها من احتمال أن يؤدي أي تدخل عسكري إلى تعفين الوضع، وبالتالي استفحال العنف المسلح والإرهاب في المنطقة· هذا مع الإشارة إلى أن بيان جامعة الدول العربية جاء محاولا التأكيد على أن القرار المتخذ إنما يأخذ بعين الاعتبار مصلحة ليبيا وشعبها، حيث ورد في نص القرار ضرورة توفير الحماية اللازمة للشعب الليبي من الانتهاكات التي يتعرض لها. بهذا الخصوص، أكد البيان أن ذلك سيكون من خلال التواصل والتنسيق مع المجلس الوطني الليبي المعارض للقذافي، ما جعل الخبراء يعتبرون أن النص صريح فيما يتعلق بالاعتراف بسلطة المجلس الليبي على أنه الممثل الشرعي للشعب، الأمر الذي لم ينكره الأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسى، الذي صرح خلال الندوة الصحافية التي نشطها عقب الاجتماع ''أن قرار التعاون مع المجلس الليبي بمثابة الاعتراف الضمني والعملي بالمجلس''· هكذا بدا أن الجامعة العربية حسمت موقفها فيما يتعلق بالصراع الدائر في ليبيا، حيث حاولت أن تتماشى مع الأصوات التي كانت تتظاهر أمام مقر الجامعة بالقاهرة والمطالبة بالإطاحة بكل الدكتاتوريات العربية، غير أنه في كواليس الجامعة بدت المواقف أكثر تباينا بين من الطرف الراكض وراء مواكبة موجة الربيع العربي والثورات الشعبية، ومن يرى أن التطورات السريعة التي تشهدها الساحة العربية، قد تفسح المجال لتفاقم عدم الاستقرار وفتح الأبواب أمام المجهول، قد يكون من ضمنه انفلات أمني وبالتالي صعود التيارات المتطرفة أو الإرهاب· يحدث هذا في الوقت الذي أعرب الاتحاد الأوروبي هو الآخر عن مخاوف جدية من أي تدخل عسكري قد تكون نتائجه عكسية على المستوى الإقليمي والدولي، فهذا رئيس المجلس الأوروبي، هيرمان فان رومبوي يؤكد أن الاتحاد لا يرغب في خوض مغامرة عسكرية، مشيرا إلى أن مستقبل ليبيا متروك لليبيين ليقرروه: ''لم نعد نعيش في عصر استعماري تتدخل فيه القوى الخارجية''· للتذكير، فإن هذا الطرح يتعارض مع ما تقدمت به كل من فرنسا وبريطانيا اللتين دافعتا عن تدخل عسكري محدد الأهداف للتسريع بالإطاحة بالقذافي، غير أن الاتحاد الأوروبي اعتبر أن مثل هذا الموقف فيه تدخل صارخ في الشأن الليبي· ومع أن الجامعة العربية على لسان الأمين العام أكدت أنها لا تساند أي تدخل عسكري في ليبيا إلا أنه بات واضحا أن المنطقة العربية باتت تفتقد للمرجعية السياسية التي كانت تحرك أي قرار، بل إن من الخبراء من يعتبر أن الولاياتالمتحدة بسقوط النظام المصري الحليف، لم تعد تملك كل الأوراق اللازمة لاتخاذ أي قرار، ما يجعل الخبراء يعتقدون أن منطقة الشرق الأوسط باتت في حاجة ماسة إلى قيادة جديدة بعد الفراغ الذي أصبح واضحا واستمرار انقسام الصف العربي، الذي كشفت عنه مرة أخرى الأزمة الليبية·