الحديث عن الموقف الجزائري من الأحداث في ليبيا يفرض مجموعة من الملاحظات: الأولى: ليست الديبلوماسية الجزائرية أكثر أو أقل ثرثرة من جميع الديبلوماسيات العربية القريبة جدا من موقع الأحداث· ليست أكثر صمتا من الديبلوماسية المصرية والتونسية والسودانية والتشادية· ومن السهل تفسير الفرق بين الموقف الجزائري والموقف الخليجي· الثانية: لم تسلم الجزائر من عدد من الشائعات تتعلق بتدخلها لصالح هذا الجانب أو ذاك، مثلما لم تسلم مصر وتونس وتشاد والسودان· وقد وجدت جميع الدول العربية نفسها متهمة بشكل أو بآخر: البحرين يتهم لبنان والأردن يتهم سوريا ومصر، الثوار الليبيون يتهمون الجزائر ثم يتراجعون فيتلقف بعض المؤيدين للقذافي هذا التراجع ويتهمون الجزائر·· وهكذا·· الثالثة: أن الدول الغربية فرضت موقفا معينا، بقوة وسائل إعلامها ثم بقوتها العسكرية، من الصعب جدا التعبير عما يناقضه، لأنه من الصعب التفريق بين المطلب الديمقراطي المشروع للشعب الليبي وبين الحرب الأهلية القائمة، وبالتالي من الصعب جدا الوقوف صراحة إلى جانب العقيد معمر القذافي· ومن هنا وجدت الديبلوماسية الجزائرية نفسها مضطرة للسباحة وسط هذا البحر من التناقضات· كيف يتوصل إلى رفض التدخل العسكري الأجنبي دون إعطاء الانطباع بأنها تساند نظاما يقتل شعبه؟! ومن النقاط التي ركز عليها عبد القادر مساهل، وزيرنا المكلف بالشؤون المغاربية والإفريقية، في تصريحاته بعد لقاء أديس أبابا: ''ضرورة أن نكون على علم تام ودقيق بما يجري في الميدان''· والإشارة واضحة إلى المصادر التي نتلقى منها المعلومات، وهي مصادر لا يُطْمأَن إلى مصداقيتها مائة في المائة· ويرى الكثير من المحللين ''المستقلين'' في القنوات التلفزيونية الإخبارية الكبرى، أن تفرد هذه القنوات في بث الأخبار القادمة من ليبيا وفي اتجاه واحد كاف للتشكيك في حيادها، بالنظر إلى تاريخ علاقتها بالكثير من الأكاذيب التي صنعتها الإمبريالية الأمريكيةوالغربية· وما يزيد في الشك الجزائري ملاحظتان جاءتا في تصريح مساهل: الأولى أن الجزائر دافعت عن مسألة وقف إطلاق النار، منذ اجتماع وزراء خارجية الدول العربية، والثانية أن القرار الأممي 1973 لم يشر بالمرة إلى هذه المسألة، وكأن وقف إطلاق النار، من جميع الأطراف، ليست من أولويات المجتمع الدولي· ويؤيد ذلك، كما قال مساهل، الكيفية التي تم بها تجاوز مسألة فرض الحظر الجوي إلى تدخل عسكري تجاوز الأهداف المسطرة· ثم إن نقل المهمة العسكرية من الإشراف الأممي إلى هيئة إقليمية، هي الحلف الأطلسي، دليل آخر على تجاوز المهمة التي تم الاتفاق عليها· والخروج عن المهمة الرئيسة للتدخل العسكري (الحظر الجوي) يعني أهدافا أخرى لم يتكلم عنها الوزير الجزائري صراحة، ولكن من خلال مجموعة من الإشارات، منها محاولة فرض حل خارجي، بمعنى التدخل في الشؤون الداخلية الليبية· والجزائر تقول صراحة: إن حل الأزمة يجب أن يبقى ليبيا وبيد الليبيين، وكل تدخل أجنبي يجب أن يبقى محصورا في مساعي وقف إطلاق النار بين الأطراف المتقاتلة ومساعدتها في إيجاد حل تفاوضي·· ولا يؤدي أي تدخل من نوع آخر إلا إلى اتساع رقعة الحرب وإطالتها بما في ذلك من مخاطر زعزعة استقرار المنطقة، والجزائر جزء منها· ومنها أن يؤدي منطق الحرب والتدخل إلى سهولة في تنقل السلاح بين المجموعات الإرهابية التي تهدد الساحل الإفريقي· ويزداد قلق الجزائر أمام التصريحات الغربية غير الرسمية، أولا بضرورة تسليح المتمردين، والأمريكية الرسمية ثانيا، المعبرة عن ضرورة التخطيط لمد الثوار بالأسلحة· ونحن نعلم ما آلت إليه الأسلحة التي وزعتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية على المجاهدين الأفغان· وليس خافيا أن الجزائر متخوفة من أن يؤدي تأزم الأوضاع في ليبيا إلى ترسيم وجود أجنبي عسكري أمريكي في المنطقة وعلى حدودها· ومن المعروف أن الجزائر من الدول الرافضة لانتقال قيادة القوات الأمريكية في إفريقيا إلى أحد البلدان الإفريقية، وأخشى ما تخشاه الجزائر أن يكون هذا الانتقال هو الهدف الحقيقي للحملة على ليبيا· الحملة الاستعمارية تحت غطاء إنساني· كما أن السيطرة على خيرات العراق كانت تحت غطاء نشر الديمقراطية· وليس لنا التذكير بالدور الأساسي الذي لعبته الولاياتالمتحدةالأمريكية في تقسيم السودان، ولا التذكير بما يتوافر عليه جنوب السودان من خيرات· فما الذي يمنع أن تستهدف المخططات الأمريكية الساحل الإفريقي عن طريق البوابة الليبية؟·