من قال إن الثورة على الحكام ظاهرة عربية فقط؟ ومن قال إن الشعوب العربية وحدها تعاني الظلم والتعسف؟ ومن قال إن اليأس لا مكان له إلا في نفوس الشباب العربي؟ وما شهدته عواصم العديد من البلدان الأوروبية (روما، أثينا، لشبونا، باريس··) دليل على أن الثورة على الأوضاع القائمة، هي بالفعل، ظاهرة عالمية· والدليل الأكبر جاءنا، قبل يومين، من العاصمة البريطانية، لندن، التي شهدت مظاهرات عارمة شارك فيها ما لا يقل عن مائتي ألف شخص، وشهدت من أعمال العنف والتخريب ما لم تشهدته أكثر الثورات العربية عنفا وتخريبا· كانت بريطانيا، إلى ما قبل الأزمة المالية العالمية، أكثر الأمثلة الأوروبية على النجاح الاقتصادي، بل أكثرها دليلا على أقصى ما يمكن أن تتمتع به دولة من ثراء: عملة وطنية قوية·· مستوى بطالة هو الأدنى في العالم·· سيطرة تامة على التضخم·· أكبر المراكز المالية في العالم· ولكن الأزمة المالية كشفت أنها صحة مالية على الورق، لا يعكس حقيقة ما يعانيه الاقتصاد من مشكلات·· لم يكن الأمر أكثر من آلة عملاقة للمضاربة في فائدة المضاربين وحدهم·· وبالمقابل اكتشفنا أن بريطانيا من أتعس دول أوروبا الغربية في مجالات الخدمات العامة، كالصحة والنقل والتعليم·· إلخ وكان من بين الأهداف التي طالتها عمليات التخريب كل ما يمثل رموز الثراء البريطاني، من محلات تجارية وبنوك· وقالت الصحافة إن ''المخربين'' ينتمون إلى جماعات ''فوضوية''· وهي الجماعات التي بدأت تنتظم حول مجموعة مبادئ تتلخص في رفضها للنظام الاقتصادي العالمي وبخاصة رفضها لنظام المضاربة المالية في البورصات ومراكز المال· و''الفوضوية''هي الصفة التي يلجأ إليها الحكام وما يدور في فلكها من النخب المستفيدة من العولمة الاقتصادية· لقد شهد الفوضويون أن الحكومات الغربية صرفت مئات الملايير من الدولارات من أجل إنقاذ البنوك والبورصات المفلسة، وشهدوا كيف أن القطاع الاقتصادي المنتج هو الذي دفع ثمن نظام المضاربة المالية، وشهد، أكثر من ذلك، كيف أن الولاياتالمتحدةالأمريكية، البلد الذي انطلقت منه الأزمة، عادت، بعد سنتين فقط، من بداية الأزمة، أعلنت عن عشرات الملايير من الدولار أرباحا لسماسرة البنوك والبورصات·· وشهد الفوضويون أن الشعوب الأوروبية لم تدفع ثمن الإفلاس المالي بل فرض عليها أن تدفع أرباحا خيالية للمتسببين في الأزمة، ثم جاءت الحكومات، أخيرا، لتفرض عليها برامج تقشف قاسية تحرم أبناءهم من تمدرس حقيقي ومن وسائل نقل عمومية وتجعل من الصحة جنة لا يدخلها إلا المضاربون· الشعوب العربية تثور من أجل الحرية والديمقراطية والتخلص من ديكتاتورية العائلات والأقارب، والشعوب الأوروبية تثور من أجل ديمقراطية حقيقة وضد ديكتاتورية البنوك والبورصات ومنظمات العولمة الاقتصادية·· الديكتاتوريات العربية تتهم القاعدة، والتدخلات الأجنبية، والحكومات الغربية تتهم الجماعات الفوضوية·· ديمقراطية وديمقراطية·· مؤامؤة ومؤامرة·· ديكتاتورية وديكتاتورية·· أما الظلم والتعسف فشيء واحد·