اجتماعات مجلس الجامعة العربية لا تبعث على الأمل·· هذا نعرفه من خلال تاريخ هذه المؤسسة· فلم يحدث مرة واحدة أن خرج من اجتماعاتها ما يشرف المواقف العربية، وما هو في صالح المعركة العربية ضد إسرائيل، وفي صالح ما تطمح إليه الشعوب العربية· ولم تسطع جامعة الدول العربية حتى أن تفرض على أعضائها دفع اشتراكاتهم بصفة منتظمة، ناهيك عن التزاماتهم المالية اتجاه القضية الفلسطينية· ولم تستطع، ولو مرة واحدة، ولو من باب التصريح والتهديد، تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك بين الدول العربية، بعد أن تعرضت دول عربية عديدة إلى اعتداءات صهيونية كثيرة، في سوريا ولبنان وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة· ولم تفعل الجامعة العربية شيئا في التصدي للجدار العازل وتهويد القدس والحصار على غزة· ولم تبرهن الجامعة العربية على فشلها في إعلان الحرب دفاعا عن العرب، وحسب، فقد برهنت على فشلها في تنسيق ما يسمى بالعمل العربي المشترك في مجال الاقتصاد والثقافة، بل ولا حتى حرية تنقل الاشخاص بين البلدان العربية· فحجم التبادلات التجارية بين البلدان العربية تمثل النسبة الأضعف بين كل التكتلات الإقليمية في العالم، وصعوبة تنقل الفرد العربي بين البلدان العربية أكبر من صعوبة تنقله بين البلدان العربية، والعرب هم أكثر الناس جهلا بالإنتاج الفكري والثقافي لبعضهم البعض· وأفضل ما فعلته هذه القوقعة الفارغة أنها استطاعت أن تجمع بين القادة العرب لمدة تفوق الستين عاما على الكذب والنفاق والرياء، وأن تضمن رواتب مجموعة من الموظفين أكثرهم مصريون، وأن ترسكل الاشتراكات في شبكة الاقتصاد المصري، وأن تساهم في إذلال العرب كما لم تفعل أكثر الاستعمارية الغربية· والذي اكتشفناه، مع انفجار الثورات العربية، أن الجامعة العربية مؤسسة في منتهى الخطورة على أمن واستقرار الدول العربية· وما فعلته مع الأزمة الليبية ينذر بذلك· ولا ننسى أن دولا عربية عضوة فرضت على الجامعة العربية إقصاء ليبيا من مجلسها خارقة ميثاق الجامعة، وفرضت رأيها على قاعدة الإجماع المعروفة، وحركت طائراتها لضرب أهداف عربية· وكان المنطق يفرض على الجامعة العربية أن تتدخل بالقوة لمنع التدخل الأجنبي في ليبيا تطبيقا لاتفاقية الدفاع المشترك·· ويمكن أن تتحول هذه السابقة الليبية إلى قاعدة عمل في مجلس الجامعة، فيقرر القطريون والسعوديون ما يجب أن يكون اتجاه القضية الفلسطينية، ولا نستغرب أن يأتي يوم يصدر فيه قرار عربي يسلم القدس نهائيا إلى إسرائيل ويدفن مسألة اللاجئين، ويعطي الضربة القاضية لما تبقى من أرض فلسطين· وليس مستبعدا أن يفاجئنا قرار عربي بالتدخل العسكري في اليمن وسوريا ولما لا في السودان بل وحتى مصر·· وأفضل ما يمكن أن تسعفنا به الثورات العربية أن تمسح هذه المؤسسة التعيسة مسحا من على وجه الأرض··