ليس سهلا، أن تكون وحيدا، وتركض بالاتجاه المضاد للتيار·· هو خيار صعب، يجعل من التحدي الصامت معاناة حقيقية، وأحيانا مؤلمة، هذا ما دأب عليه مجدد الشعبي، الفنان رضا دوماز، يجعلك في حيرة من نفسك وأنت تصغي إلى عمله الجديد ''يا شاري دالة'' ويتجدد السؤال بإلحاح، أين يمكن أن تصنف هذا الفنان المتمرد الذي حافظ على طفولته الممتزجة بكل؟؟ التمرد الهادىء، النقي والجارح في الوقت ذاته·· هو فنان يصعب تصنيفه، لأنه ببساطة جعل من إرث الشعبي نوعا يحتفظ بكل فرادته وتميزه الذي لا يمكن أن يشبه إلا الطريق الذي اختاره رضا دوماز منذ البداية·· هل ما يقدمه رضا دوماز في ألبومه الأخير يمكن وصفه بالنيو شعبي؟! طبعا لا·· لأنه حفر في الإرث العميق للشعبي بكل حساسيته التي تشكل في لحظة واحدة ومزدوجة، فعل الاستمرارية وفعل القطيعة في آن واحد·· على صعيد النص، يغامر رضا دوماز بجر الشعبي إلى أرض بكر، يتمازج فيها السياسي بالإنساني واضعا نصب عينيه اللغة بكل جماليتها وتشظيها وشعريتها المقربة من جمالية العادي لمساءلة الأنا الجمعي من خلال التشكل المتجدد للذاكرة الرافضة أن تقبع في مساحة ثبات الماضي لكن الرافضة كذلك التماهي مع ضلالات الراهن·· في أغنية ''يا شاري دالة'' يفتح رضا دوماز دربا جديدا، ليس لأغنية الشعبي، بل للأغنية الجزائرية لإعادة صياغة كل تلك الصور المستهلكة و؟؟ النمطية التي رسمت حول ما عاشه الجزائري في حربه ذات الأبواب الموصدة·· لا يوجد في نبرته أي تشفي لما يعيشه العرب اليوم، بل تكمن فيها مسحة من السخرية الضاحكة، والنظرة المحرضة على مساءلة الذات التي كثيرا ما تستسلم لإغراءات الذات المضخمة والمحتقرة لما هو خارج دائرتها وهيمنتها·· ويعيد رضا دوماز في ''جوال'' ؟؟؟؟ و''يا شاري دالة'' تلك الصلة الحميمية بين ثراء الحكمة والنقد اللاذع، وبين الذاكرة الخصبة وتجدد اللحظة الراهنة من جهة، ومن جهة ثانية بين قوة الكلمة والدلالات المكثفة للمعنى·· في ألبومه الأخير، كشف رضا دوماز، عن هذه القدرة الذكية البعيدة عن الشطط والادعاءات المزيفة لإعادة بناء حقيقي لما يسمى بنوع الشعبي، نوع، كثيرا ما اعتقدنا أنه توقف مع رحيل المعلمين الكبار وأفول أصواتهم من المشهد الغنائي في الجزائر·· إن رضا دوماز من خلال ألبومه ''يا شاري دالة'' أعادنا إلى الاستبشار بلحظة الاجتهاد، ولحظة الحفر المتفرد وذلك من أجل إعادة الاكتشاف لكل ما هو جدي ونوعي في مجال التطوير والتجاوز وتحقيق ليس فقط لذة السمع، بل لذة الاستمتاع بلحظة التفكير، لحظة العقل ولذة الروح معا التي تمنح للفن كل بهاءه وسطوته الحقيقية التي لا يمكن أن تقاوم·· ألبوم، لابد أن يُسمع، لأنه يمنحنا كل هذه البهجة بكل ما هو إنساني وخلاق··