يعشق مهنة الصحافة حتى النخاع، حين تحدثه تشعر أنك أمام رجل يعتريه الألم من رأسه إلى أخمس قدميه، لأن الغربة أثخنته بالجراح التي لا تندمل أبدا، ولأنه كذلك المثقف الذي يكف عن الأسئلة الفلسفية التي لا يعثر لها على أجوبة في أغلب الأحيان. يطالع جديد الكتب من فكر وسياسة بنهم وباللغات الثلاث، ويعتقد أنه لا وجود لصحافي محترف لا يطالع ولا يعاشر الكتب. رابح فيلالي ابن مدينة الجسور المعلقة عاد بنا إلى مساره الصحافي في الجزائر وفي الخارج، وسافر بنا إلى معظم النقاط الساخنة التي غطاها طيلة مشواره المهني، وكيف أنه تحصل على السبق الذي أوردته مختلف وكالات الأنباء وكان هو مصدره، وتمكن من تحقيق حلمه كمراسل حرب متميز. سليل مالك حداد مغرم بالكاتبة، وقد صرح حصريا ل "المستقبل" أنه على وشك الانتهاء من تأليف كتاب عن مسيرة الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما، وهو الذي تنبأ له في أحد التقارير في 2004 أنه سيصبح رئيسا لأعظم دولة في العالم. * رابح فيلالي هو الابن الوحيد للعائلة، ولد بعد 15 سنة من الزواج، لا شك أن حب الوالدين لك كان كبيرا للغاية؟ حقيقة أنا وحيد عائلتي لا أخ ولا أخت لي، لم تنجب أمي أطفالا غيري، وكانت فرحتها هي ووالدي كبيرة جدا حينما جئت إلى الحياة عام 1966 بعد 15 سنة من الانتظار. ويبدو أنني أتعبتهما كثيرا لأنهما تحملا ابتعاداتي المتكررة وترحالي المتكرر لأطارد أحلامي، وشكلت هذه المسألة شرخا عميقا لنا جميعا. * قلت إن أحلاما كانت تراودك منذ الطفولة في مدينة الأحلام سيرتا، ما هي هذه الأحلام؟ في طفولتي كنت مواظبا على المطالعة، وكانت تستهويني كتابة مواضيع التعبير في المدرسة، وقد أدرك أساتذتي أنني أمتلك موهبة لا بد من تطويرها. ارتبطت بقراءة كل ما تطوله يدي من قصص جميلة. أظن أن نقطة التحول الحقيقية في تشكيل الحلم عندما قرأت كتاب "خريف الغضب" للإعلامي العربي الشهير محمد حسنين هيكل، وكان عمري آنذاك لا يتعدى 16 سنة. هذا الكتاب جعلني أهتم بميدان الصحافة، وبدأت تستهويني فكرة أن يكون الإنسان مراسل حرب، وتولّد في نفسي الكثير من الاهتمام بهذا الحلم والطموح لبلوغه بطبيعة الحال. * لكنك درست الأدب في الجامعة ولم تدرس صحافة، ألم يكن ذلك ابتعادا نوعا ما عن الحلم الذي رسمته في خيالك منذ ذلك الوقت؟ في الحقيقة وجدت نفسي أدرس الأدب، ولم تضف لي الدراسة شيئا على المستوى المعرفي، باعتراف أحد أساتذتي الذي وصف دراستي للأدب بمضيعة للوقت، باعتبار أنني كنت قد طالعت قبل دخولي الجامعة جل الأعمال الأدبية التي درستها فيما بعد في الأدب. لم أكن لأكتفي بشهادة ليسانس في الأدب، فكان القدر يقودني من حيث لا أدري إلى العاصمة لدراسة العلوم السياسية التي كانت هدفا أطمح إليه، غير أن هذا الهدف لم يكتمل، لأنني تحصلت على شهادة الليسانس ودرست سنة ونصف في مرحلة ما بعد التدرج، لكن لم يكتب لي أن أستكمل هذا المشوار الدراسي وأتوجه بشهادة الماجستير، لأجد نفسي أعود من جديد إلى قسنطينة. * نبقى في نقطة ابتعادك عن قسنطينة والدراسة بالعاصمة، ألم يكن هاجس الخوف يلاحق عائلتك التي كانت ترى فلذة كبدها ووحيدها يغادر بعيدا عنها؟ كلنا كان يتملكنا هذا الشعور، أنا، والدي، ووالدتي كذلك. لم يكن الأمر سهلا علينا جميعا. الخوف من الأماكن البعيدة كان يعترينا، وربما يكون السبب الرئيس في عودتي من جديد إلى قسنطينة، لكن لا يعني ذلك الاستسلام إلى الواقع لأن حلمي كمراسل حرب ظل يراودني حتى وأنا في قسنطينة التي منحتني الفرصة للاقتراب من عالم الصحافة والاحتكاك به. أنا ممنون لجريدة "النصر" لأنها وضعت قدمي على السكة، ومنحتني بريق البدايات الجميلة. أعطتني البعد الجماهيري الواسع في زمن كانت "النصر" من الجرائد المهمة من ناحية المقروئية. جريدة "النصر" هي المكان الوحيد الذي تعلمت فيه أصول الكتابة الصحفية، وتمكنت من تقلد مختلف المناصب وصولا إلى منصب نائب رئيس تحرير. * ما هي المدة التي قضيتها في جريدة "النصر"؟ لا أذكر بالتحديد المدة، لكنها لم تكن طويلة، فعيني كانت دائما على التلفزيون لأشق دربي علني أبلغ الحلم الذي رسمته لنفسي منذ البداية. التحاقي بالتلفزيون كان صدفة غريبة جدا وغير متوقعة. يومها التقيت المدير السابق للتلفزيون عبدو بوزيان في العاصمة، وأنا لا زلت صحافيا في جريدة "النصر". تعرفنا على بعضنا في جلسة شاي، وكان من المعجبين بكتاباتي في "النصر". تحدثنا في بعض القضايا التي تتعلق بالثقافة والإعلام. وقد قال لي بالحرف الواحد "تبدو شابا وافر الإمكانيات، فلماذا لا تلتحق بنا في التلفزيون؟"، وكان له الفضل في تشجيعي على اتخاذ قرار الالتحاق بالتلفزيون. أما لاحقا وبعد توظيفي، فقد قال لي "لقد صدقت فراستي فيك". لماذا التحقت بالمحطة المركزية في العاصمة وليس بالمحطة الجهوية بقسنطينة، خصوصا وأنك كنت تخاف الأماكن البعيدة؟ هذا السؤال طرحه علي العديد من الأصدقاء والزملاء، وكنت أجيبهم ببساطة أن طموحي كان أكبر من المحطة الجهوية، لأنها لا تستحق عناء ترك الصحافة المكتوبة من أجلها. التحقت بالتلفزيون في نهاية 92 وبداية 93 على ما أذكر، هنا بدأت أقترب من الحلم، وكانت نقلة نوعية وإضافية لما حصلت عليه من تجربة في الصحافة المكتوبة، فقد وجدت في التلفزيون فضاء للإبداع وتحقيق الذات، من خلال الصورة والإيحاءات التي لم تكن تتوفر في الجريدة، وهي نقطة تحول مهمة من الناحية المهنية ومن ناحية الرؤية للأشياء كذلك. * دخلت التلفزيون الجزائري في فترة عصيبة، فترة الاغتيالات التي طالت الصحافيين، كيف كنت تشعر وأنت تودع زملاء لك سقطوا شهداء الواجب المهني؟ .. بتأثر شديد.. الله يرحمهم جميعا. كانت سنوات لا أجد المفردات واللغة للتعبير لوصفها. لا يمكن وصف إحساس إنساني في غاية النبل وأنت تدخل غرفة الأخبار وتجد زميلا قد تم اغتياله. كان إحساسا مدمرا، وكان عليك أن تقوي إيمانك بذاتك، وتتوقع أن موسم الجنائز مستمر، لكن المزية الإيجابية أن تلك الفترة وحدها علمتنا أن نكافح قدر المستطاع. عندما سمعت نبأ اغتيال الزميلة والصديقة العزيزة رشيدة حمادي، وكان شيئا يشبه الزلزال، كان جرحا عميقا، بحكم العلاقة الإنسانية والزمالة العميقة التي كانت تربطنا، ولا يزال العبور من شارع الشهداء يستفز مشاعري عندما تعود تلك المشاهد لتسيطر على مخيلتي. * هل فكرت يومها في الهجرة، وهل كانت الهجرة هروبا أم قرار حتمي لا بد منه؟ لقد كنت أشعر أن الموت يسكن في عيون أمي في مكالمة هاتف، والخوف كان عميقا على صحة والدي. كان لا بد أن يشكل الهروب من الجحيم مخرجا سليما، فمن حقها أن تهدأ ومن واجبي أن أمنحها هذا الحق. الهجرة كانت صعبة، والمسافة كانت مستحيلة القطع من الجزائر إلى أبو ظبي إلا بعد القيام بالترتيبات المناسبة. كان الوجع عميقا، لكن أمي كانت تقول كل هذا يهون طالما أنك بخير. كانت الهجرة أقسى تجارب العمر. لقد عاش جيلنا على فكرة الوطن الواحد، وكان لا بد طرح أسئلة القلق التي تتعلق بماهية الوطن البديل، وهل من الممكن الانتماء إلى أرض غير الأرض، وقد كان عبورها مكلفا للغاية. * ما تقييمك لمشوارك المهني بالتلفزيون؟ كنت محظوظا جدا في التلفزيون، إذ وجدت رعاية واهتماما من الزملاء والمسؤولين، الكل كان يعمل على دفعي إلى تقديم المزيد من المجهودات. اشتغلت كمحرر أخبار وكذا في قسم الروبورتاج، ثم انتقلت إلى تقديم وإعداد البرامج مثل المجلة الثقافية والتحقيقات الكبرى، ثم أعددت وقدمت برنامج "مرايا" الذي حقق لي حضورا لافتا، إضافة إلى تقديم الأخبار في نشرات الثامنة، من خلال كل هذه المجهودات تعلمت مفاتيح العمل التلفزيوني. * بعد التحاقك بتلفزيون أبو ظبي، هل اندمجت بسرعة أم كانت هناك صعوبات؟ كانت بدايات متعثرة قليلا، الاختلاف في المفردة بين نحن الآتين من المغرب والمشارقة كان واضحا، بالإضافة إلى الحساسيات بين الإعلاميين في المهجر، لكن شيئا فشيئا بدأت الأمور تأخذ مسارها الطبيعي. هي فترة إعادة اكتشاف الذات في محيط يختلف عن المحيط الذي اكتشفت فيه خبراتك، وتجد نفسك مضطرا إلى إعادة بناء علاقة جديدة مع الأشياء والذي حصل بالفعل. * ما الذي أضافه اشتغالك في الفضائيات إلى تجربتك الإعلامية؟ الاختلاف أصبح بالدرجة الأولى في الرؤية المهنية. كان علي أن أمتلك آلية جديدة من التفكير للبحث عن الموقع الأفضل في المكان الأفضل. لم يعد سقف إنتاج برنامج محلي هو المتاح، بل تطور ليشمل فضاء الإعلام العربي. تغيرت المعادلة ولم يبق هناك سقف للمتاح، وفي الوقت ذاته كانت تلك الآلية تسمح وتساعد على تحقيق الكثير من الأفكار التي تبدو أنها كانت مستحيلة التحقيق. في تلك الفترة كان يجب إعادة تشكيل فهمنا للممارسة المهنية، وإعادة النظر في الأفق الذي نصبو إليه، بالإضافة إلى التنويع في أدوات المعالجة، فمثلا التعاطي مع الأحداث في السودان يختلف عن بلد مثل أفغانستان. هذا التحول كان إيجابيا وكان نوعيا بمعطيات ذلك الوقت، المطلوب أصبح كبير الحجم ومساحة التغطية أصبحت تتجاوز القارة الواحدة وليس الوطن الواحد. * هل شعرت في تلك الفترة أنك وجدت ضالتك وأن حلمك كمراسل حرب بدأ يتحقق؟ تجربتي كمراسل دولي ومراسل حرب ارتبطت بالرغبة الشخصية لاكتشاف نقاط الصراعات. ففي قناة "أم بي سي" للأخبار التي كنت أشتغل بها وأغطي أخبار حرب العراق، كنت أول صحافي أذاع خبر مقتل قصي وعدي في الموصل، وكان ذلك نقطة تحول في حياتي المهنية. المرة الأولى التي تنقل فيه "الجزيرة" الخبر استنادا إلى غريمتها "أم بي سي" تجربتي في حرب العراق من ناحية المشاعر هي تجربة مهمة جدا، ومن الناحية المهنية كانت تجربة مميزة جدا في حياة أي مهني. كان التحدي في ذلك الوقت هو المنافسة الشرسة بين الفضائيات الإعلامية التي تتناول الخبر أولا بأول، كان العالم كله في بغداد، وكان لا بد من التميز أمام هذا الكم الهائل من المنافسة الإعلامية، ليس العربية وحسب بل وحتى الأجنبية. * بعد تألقك في العراق، أصبحت معتادا على تغطية الأخبار في البؤر المتوترة، أين كان الاتجاه يومها؟ بعد العراق كانت تغطيات السودان، وقد أكرمني الله ووفقني بسبقين صحافيين هناك، السبق الأول كان الإعلان عن مفاوضات سرية بين الشمال والجنوب في قناة "الحرة"، السبق الثاني أنني كنت أول صحافي غير سوداني يدخل دارفور ويتحدث عن أزمة دارفور، فهذه المنطقة شهدت مأساة إنسانية لم يسبق لها مثيل، هناك شعب كامل وقع تحت ضغط حرب لم تكن متوقعة من أي طرف، وكل الجهود التي بذلت لم تحقق الهدف حتى الآن على الأقل في منطقة تشكل محور حركة مهم في القارة الإفريقية. للأسف هي قصة إنسانية مؤلمة جدا أتمنى أن يعرف الشق الإنساني بعض الانفراج، وهو الجانب الأكثر تعقيدا في الموضوع. على "الحرة" كذلك في أفغانستان غطيت الانتخابات الرئاسية 2005 وتسليط الضوء على الصراع الذي كان دائرا بين السلطة والمعارضة، وقد أعلنت عن مفاوضات سرية بين كرزاي وزعيم المعارضة يوسف قانوني، وكنت الصحافي الوحيد الذي صور تلك المفاوضات السرية التي كانت في مكان ما في كابول، وقد تناقلت وكالات الأنباء العالمية هذا الخبر استنادا إلى مراسل "الحرة". كما أنني انفردت بخبر إغلاق السفارة الأمريكية في السعودية بعد استهداف التفجيرات الإرهابية للمجمعات السكنية للأجانب، ومباشرة بعد تفجير حي المحيى بالرياض. كان ذلك السبق على قناة العربية. كما كانت أول قناة تجري حوارا مع جمال خليفة المطلوب الثاني في "القاعدة" آنذاك، وكنت الوحيد الذي تحصل على إجراء حوار معه من جدة، لتذيع مختلف الوكالات مضمون الحوار استنادا إلى مراسل العربية. * إنجازات مهمة في مسارك المهني، فهل يمكننا القول إنك قد حققت حلمك كمراسل حرب؟ لا حتى الساعة لم أحقق شيئا من أحلامي، لا يزال هناك عمل كبير ومجهودات أكبر في مشواري المهني. أحب دائما أن أكبر في العمل وبالعمل، فالإنجازات التي يجب أن تتحدث عني، وليس الأضواء. لا زلت أحلم بحدوث فهم جديد للممارسة الإعلامية التي تتحدث عن جوع الناس وأحلامهم، وتجعل من رجل الشارع نجم الأخبار. * هناك إنجازات أخرى، حيث تقلدت مناصب عمل في الخليج بعيدا عن الصحافة، هل لك أن تفصح لنا عن هذه المناصب؟ اشتغلت مستشارا إعلاميا في رئاسة الحكومة الإمارتية، وكانت لي علاقات مثالية مع الأمراء والشيوخ ومساعديهم في أبوظبي، كما اشتغلت ناطقا رسميا باسم مركز زايد. استمريت في العمل لثلاث سنوات، ورغم الامتيازات والإغراءات فقد فضلت العودة إلى الإعلام والفضائيات. منحتني هذه المناصب الحصول على علاقات أكبر في الخليج، وفتحت لي آفاقا مهمة فيما بعد، وهذا يدل على مستوى الثقة الذي منحني إياه المسؤولون هناك، وهذه نعمة من المولى عز وجل. رجعت إلى "أم بي سي" في تلك الفترة وكنت من مؤسسي قناة "العربية"، والفترة الأولى كانت لافتة خصوصا في السنة الأولى والثانية والتي كانت نتاج جهد جماعي سواء من داخل أو خارج القناة. * ألم يشكل عدم إتقانك للإنجليزية عائقا في التواصل بشكل أفضل؟ تعدد الجنسيات في دول الخليج يجعل الأداة الوحيدة للاحتكاك هي الإنجليزية، لأنها لغة عالمية وهي المتاح، كان لا بد لي من تجاوز هذا النقص، والدخول في دورات تدريبة مكثفة وتخصيص وقت كبير للتمكن من استعمال الإنجليزية. بإمكانك أن تتعلم لغة التخاطب في ستة أشهر، أما لغة المحترفين والتي كنت في أمس الحاجة إليها لا يمكنك إتقانها إلا بعد مرور 3 سنوات. * ألم يحلم رابح فيلالي باستقرار في منصب بإحدى القنوات التي اشتغل بها؟ كان هدفي منذ البداية واضحا، فقد اخترت أن أكون مراسلا دوليا ومراسل حرب، وقد تنقلت كثيرا في غرف الأخبار في المناصب، لكن ذلك لا أراه إنجازا وهذا أمر طبيعي. المنصب حالة زائلة والموهبة الصحافية حالة دائمة. * هل أصبحت تطالع الكتب بلغة العم سام بعد استقرارك في واشنطن؟ كنت في يوم من الأيام أتحدث إلى أحد الأصدقاء، وتمنيت لو يكرمني الله وأتخلص من مسؤولياتي في الحياة فقط لأقرأ ما كتب بالإنجليزية، فالكتاب في أمريكا هو أجمل ما عاش الناس في حياتهم وهذه ثقافة مجتمع. الرئيس الحالي الأمريكي باراك أوباما ما كان ليكتشفه المجتمع الأمريكي كشخصية عمومية لولا كتابه الأول الذي ألفه بعنوان "أحلام من أبي"، وسيبقى أوباما يدين بالفضل لهذا الكتاب. مطالعتي للكتب انتقائية، فالغالب على قراءاتي هو الإعلامي السياسي أو بعض التاريخي. لا يمكن أن تغطي الأحداث في أفغانستان دون العودة إلى التاريخ. ما يكتب بالإنجليزي يتميز بخاصية وهو أنه قابل للتحديث والتطوير، أما الكتابات العربية فلا يزال يسيطر عليها الموروث. * الجميع يعرف رابح فيلالي الإعلامي، لكن القلة يعرفون فيلالي الكاتب، هلا تحدثنا عن هذه التجربة؟ أنا أكتب كتابا عن تجربة أوباما بين الإنسان والسياسي، وأتمنى أن يكون جاهزا للطبع بحلول الصيف، عنوانه "يحكى أن". الكتاب من وجهة نظري هو حديث عن قوة الأمل في إحداث نقلات تبدو أحيانا أنها مستحيلة في حياة الشعوب. الكتاب يحكي قصة حياة أوباما من اليتم إلى الكفاح إلى البيت الأبيض الأمريكي. أنا أشتغل على الموضوع منذ 2004. منذ أن كان هناك حديث عن ترشيح جون كيري ضد بوش في الانتخابات الرئاسية، وكان أوباما قد ألقى أول خطابا له في أول ظهور كشخصية وطنية. وعلقت يومها في تقرير عن الحدث "مساء هذا الأربعاء ولد نجم سياسي في سماء أمريكا اسمه باراك أوباما. رجاء لا تنسوا هذا الاسم". رجعت في الكتاب إلى أهم ما كتب الرجل في أمريكا إضافة إلى لمساتي الشخصية. * عندما تنزل مطار هواري بومدين، وتطأ قدمك الأرض، ما الذي تشعر به؟ هذه أجمل الأشياء التي تحدث في حياتي. مشاعر فوق اللغة وفوق الوصف. * ما هو تقييمك لتغطية الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الجزائر وقد كنت أحد صانعيها؟ من وجهة نظري وأنا أتحدث هنا عن نفسي لا عن الآخرين، كانت لي مساحة حرية في الحركة وفي العمل. كان هدفي الأساسي نقل صورة المشهد السياسي في الجزائر كما هو والحرص على إبداء التنوع في الرأي. كانت تجربة على قصرها مزدحمة بالأخبار القوية. أعتقد أن "الحرة" أعطت أكثر مساحة للانتخابات في الجزائر. أكثر من عشرين نقلا مباشرا، بالإضافة إلى عشرات التقارير والمقابلات الشخصية وبرنامج من ساعتين حول الجزائر. حدث معي خبر طريف أثناء التغطية. لما بدأ يتضح في نهاية مساء الخميس فوز بوتفليقة كان هدفي هو الحديث إلى مدير الحملة، وكان الوصول إلى عبد المالك سلال مدير الحملة الانتخابية للرئيس أمرا مستحيلا. في منتصف الليل كان لدي بث مباشر في المركز الدولي للصحافة، وأنا أتحدث على المباشر مر عبد المالك سلال بالقرب مني صدفة، وكانت بالفعل فرصة من ذهب. دونما تفكير أمسكته من يده وهو لا يعلم ما يحدث، أدخلته المباشر وأخذت أسأله عن الانتخابات وهو يجيب بكل عفوية، دون أن يعلم في البداية أنه بث مباشر. بعد انتهاء البث قال لي سلال "نستعرف بيك صيدتني". * هل بهذه الطريقة تعبر عن حبك للوطن؟ حبنا لهذا البلد كبير وفوق كل اعتقاد، ونحن نحاول دائما أن نقدم صورة إيجابية عن الإنسان الجزائري، فهذا الكلام أتمنى أن يصل الناس. الوجود خارج الأرض لا يعني الانفصال عنها. * كلمة أخيرة تقولها للصحافي المبتدئ؟ اقرأ حتى الموت. لا تخف من أحلامك فكل ما تستطيع حلمه حتما تستطيع تحقيقه. هناك مسألة يجهلها الكثير، هذا الوطن كريم جميل. أجرى الحوار: الطيب توهامي