ما الذى يمنع جمال وعلاء مبارك من الترشح للانتخابات المقبلة؟ لا شيء يمنعهما وفقا لقانون الانتخابات الحالي، لأنهما محبوسان احتياطيا حتى هذه اللحظة، ولم يصدر بشأنهما حكم قضائي بالإدانة، وبالتالي يمكن أن يوكلا من يقدم أوراق الترشيح بينما هما قابعان خلف أسوار الحبس الاحتياطي· هذا الكابوس من الممكن أن يتحقق، هكذا فاجأني المستشار السابق بمحكمة الاستئناف حسن عمر، مضيفا أن القانون بصيغته الحالية لا يمنع أعتى الفلول من الترشح طالما لم تصدر ضده أحكام قضائية· وهذه المخاوف ستجدها لدى قطاع كبير من المواطنين الذين استبد بهم الإحباط من هذه الضبابية التي تغلف الوضع الراهن، خصوصا مع التجاهل التام والتلكؤ الشديد فى حسم الموقف من عديد من التشريعات المقترحة المطروحة، سواء قانون الغدر، أو مشروع القانون المقدم من نائب رئيس مجلس الدولة المستشار حسني السلاموني إلى اللجنة المشكلة بمجلس الوزراء للنظر في ''الغدر'' أو ما شابه من قوانين تحقق المعنى الحقيقى للثورة، كي لا ينقض عليها الذئاب· والحاصل أننا أمام اشتباك طاحن حول قانون الغدر، بين مؤيد بشدة ومعارض بإصرار، على اعتبار أنه قانون قديم صدر في ظرف تاريخي مختلف عما نعيشه الآن، وللخروج من هذا الاستقطاب الحاد مع وضد الغدر، فإن مصر لم تعدم الخبرات القانونية والدستورية القادرة على التوصل إلى إطار تشريعي يحمي هذه الثورة ممن قامت ضدهم· وإذا كان مسمى ''الغدر'' يثير كل هذه الحساسية لدى البعض، فمن الممكن تجاوز المسميات والتمسك بجوهر الموضوع، فمنطقيا وأخلاقيا وسياسيا، لا يجوز أن تبقى كل الأبواب والنوافذ مفتوحة أمام من أفسدوا الحياة السياسية طوال الثلاثين عاما الماضية لكي يخوضوا صراعا انتخابيا ضد الذين صنعوا الثورة، ولم يلتقطوا أنفاسهم للانتظام في تشكيلات حزبية بعد، بينما يحتشدون بكامل معداتهم الانتخابية العريقة· وعليه تصبح المماطلة فى إنجاز تشريع يرتكز على قيم ومعانى الثورة، ويحول دون عودة رجال النظام السابق، نوعا من التناقض الحاد مع هذه الثورة، ولا يصح هنا التحجج باعتبارات الموضوعية والحيادية والوقوف على مسافة واحدة من كل الأطراف، وإلا نكون كمن يساوي بين الجاني والمجني عليه، وكأن هذه الثورة لم تقم إلا لكي تهيء المسرح لرموز النظام السابق للظهور في عرض جديد، مأخوذ عن نص قديم، وكل ما جرى كان مجرد تعديلات في السيناريو والملابس والديكور والإضاءة· إن معركة مصر الحقيقية الآن هى كيف نمنع أن تصبح الانتخابات المقبلة الباب الكبير لعودة رجال النظام السابق، الذين تلونوا منهم وارتدوا مسوح الثوار، أو الذين ما زالوا بكامل هيئتهم القديمة، وأتمنى أن يكون محور مظاهرات الغد هو التمسك بمطلب الوصول إلى إطار تشريعي يمنع أن يكون خصوم الثورة هم أول المستفيدين من دماء الشهداء وعذابات المصابين والجرحى·