ما الذي يحدث عندما يجد المرء نفسه في مجتمع ذئابي وتتحوّل الأنانية القاهرة إلى سلطة ذات بعد شمولي، تدميري وأحادي؟! ذلك هو السؤال الذي أثاره الكاتب المسرحي والشاعر السوري الراحل ممدوح عدوان في نصه المعنون ''أكلة لحوم البشر'' الذي عالجه دراميا المخرج الشاب اللامع المغربي هشام شكيب مساء أول أمس في قاعة الموفار، في عمل مسرحي، من إنتاج المسرح الوطني الجزائري·· وأدى هذا العمل الموندرامي الممثل سفيان عطية·· من أول لحظة يقودك العمل إلى عالم موبوء، يملأه النفاق والنزاع القاتل، والنبذ الشرير لكل ما هو صادق وحي·· النص أراد البوح بكل ما يختلج في نفس المقهور من غضب وكراهية وسخرية مرّة من كل العوالم المقولبة للكائن الإنساني، ويتحوّل النقد إلى نقد شامل وجذري بحيث يصبح المشهد سوداويا ومثيرا للغثيان·· لكن هذا النقد كثيرا ما يسقط على مستوى الخطاب في فخ كراهية الذات، والخلط بين الجلاد والضحية، ومثال على ذلك هو تلك النظرة التبسيطية والرجعية البائسة للمرأة التي تتحوّل إلى درافولا·· إلى عودة سياسية واجتماعية وهذا ما يمكن أن نؤاخذ عليه النص·· قد يكون الكاتب تجنب مواجهة الآلة الرقابية السياسية، خاصة إذا ما علمنا أن المؤلف عاش في ظل سلطة مستبدة وبوليسية·· لكن هذه المؤاخذة تمكن المخرج بذكائه وحساسيته الإبداعية وموهبته من الاحتيال عليها عندما عرض علينا نظرته الإخراجية الصارمة والمتخفية التي جعلت من العرض عملا ناجحا وآسرا، خاصة وأن الممثل تمكن من ابتلاع كل تلك الفضاءات البيضاء، وذلك بفضل حضوره القوي وقدرته على جرّ المتفرج إلى عالمه الكابوسي المليء بالسخرية السوداء·· أشبه الموندراما باللعبة الخطيرة في مواجهة الطوريرو، وليس أمامك أكثر من حلين، إما الانتصار على الثور الهائج وإيقاعه قتيلا، أو أن تنهي إلى الانتحار·· وبالفعل تمكن المخرج ورفيقه شكيب هشام من الخروج من اللعبة القاتلة سالمين وغانمين، برضا الجمهور لكن بلذة لا تضاهى، لأنها لذة إنجاز الرهان بشكل بديع وجميل··