تحاليل لا شك أن الكويت تمثل استثناءً فريدا في منطقة الخليج العربي، بدءً من التاريخ القديم حيث تم إقامة الحكم من خلال مبايعة الصباح الأول (صباح بن جابر) في عام 1752 بطريقة أقرب ما تكون إلى الإقتراع الحديث، لكن بأسلوب قبلي، تم فيها التعاهد بين القبائل على أن يتولي ''الصباح'' أمور الحكم، دون أن تكون هناك حاجة للمعارك العسكرية وللقهر الذي كان يمثل الوسيلة الأكثر رواجا لإقامة الحكم وإنهائه، وصياغة الخرائط السياسية في الجزيرة العربية في ذلك الوقت المبكر من التاريخ· كما أن إنهاء الانتداب البريطاني وإلغاء اتفاقية الحماية، اللذان قادا إلى استقلال الكويت عام 1961، لم يدفع نحو تبني خيارات الحكم المطلق للأسرة الحاكمة كما جرت العادة في المنطقة، بل ذهب الكويتيون نحو صياغة أول دستور حديث مكتوب في الخليج العربي، وذلك بعد عام من الاستقلال، والذي حدد شكل الحكم وصلاحيات كل مؤسسة من مؤسساته· لتجري أول انتخابات تشريعية في عام 1963، ومنذ ذلك العهد واليوم، جرت مياه كثيرة تحت جسور التجربة الديمقراطية الكويتية التي تطورت بشكل ملحوظ، وأضحت، ربما الديمقراطية الوحيدة في الأنظمة الوراثية العربية التي تملك مؤسستها التشريعية، حتى تعيين ولي العهد أو الإعتراض على ترشيحه من قبل الحاكم، كما أن مجلس الأمة (وهو المؤسسة التشريعية المنتخبة) يعد أحد أنشط المجالس النيابية في المنطقة عموما، وسجلاته، تشهد أنه أكثر مجلس تمتع بحقوقه الدستورية المتمثلة في التشريع، وتشديد الرقابة على الهئية التنفيذية· وبالرغم من أن ''الأمير''، باعتباره القاضي الأول في البلاد، يملك حق ''حل المجلس'' دستوريا، فإن ذلك لم يمنع التجربة البرلمانية الكويتية من أداء مهامها كاملة، ومن إعادة ذات المسار في حالة حل المجلس وإعادة الإنتخاب، وهو ما يحسب للتيارات السياسية التي تمثل الشارع الكويتي من (إسلاميين، بتياريهم السلفي والإخواني، والليبراليين، بمختلف خلفياتهم الفكرية)· يسجلها البعض على التجربة النيابية الكويتية من حيث أنها تفرط وتغلو في استخدام الوسائل الدستورية لتقويض عمل الحكومة، ووضع الوزراء أمام مجهر الرقابة طوال الوقت، مما يؤدي إلى تعطيل سير المؤسسات - حسب تصور البعض - ، وهو ما يدفع الأمير إلى التدخل أكثر من مرة وربما الاضطرار إلى حل المجلس كما حدث خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث حُلّ فيها المجلس ثلاث مرات، (أي بمعدل برلمان جديد في كل عام)، وهو ربما ما يوحي بحالة اللااستقرار، وتخصيص ميزانيات طائلة لانتخابات نيابية كل عام، فضلا عن تشكيل الحكومة في كل تجديد برلماني، مما يضاعف الميزانية وربما يبدد المال العام عوض استغلاله لصالح مشاريع تنموية أخرى· إلا أن كل تلك الفرضيات لا تعفي من القول ''إن تلك الدولة الصغيرة في الخليج''، التي عاشت تجربة قاسية مع الاحتلال والغزو الخارجي، لم تتذرع بمشجب التهديد الخارجي لإقامة حكم استبدادي كما يحدث في الكثير من الأقطار العربية· بل ساهمت في البرهنة على أن النقاء الداخلي والديمقراطية هي وحدها الكفيلة بمواجهة أي تحديات خارجية أو داخلية، كما أن التجارب التراكمية للمؤسسة التشريعية الكويتية قد تساهم في مراحل قادمة، في تقليص الهوة القائمة بين المؤسستين التشريعية - كممثل للشعب والتنفيذية كجهاز إداري· حيث غالبا ما يحمل الخلاف السياسي بين التيارات النيابية والهيئة التنفيذية طابعا برامجيا إداريا، أكثر منه عقائديا إيديولوجيا، مما يعني أن إمكانية تقليص فوارقه ممكنة· تبقى الإشارة إلى أن الاستجواب الأخير الذي وجهه أحد نواب البرلمان، لوزير الداخلية الكويتي الشيخ جابر الخالد الصباح الذي استمر لأكثر من 7 ساعات، وقرر على إثرها المطالبة بحجب الثقة عن الوزير، حيث تم ضبط موعد لذلك، وسواء نجح النواب في عملية طرح الثقة أم أخفقوا في جمع الأصوات اللازمة لذلك، فإن الإجراء في حد ذاته يمثل اختراقا جديدا لمنصب ظل مقدسا في الدول العربية، إن لم نقل الجهة الأكثر سيادية فيه، كما أن انحدار الوزير من العائلة الحاكمة في الكويت يمثل علامة أخرى على جدية ذلك الاختراق الذي يجسده مجلس الأمة·