في الحادي عشر من مارس الماضي، كنت أحضر معرضاً تشكيليا أقامه نخبة من الفنانين السوريين تأييداً لثورهم الشعبية ب ''أتيليه المشربية'' الكائن بالقرب من ميدان التحرير وسط القاهرة، حين تعثرت بكتاب ''مصريانو'' وكتاب آخر هو عبارة عن أنطولوجيا القصص الإيطالية المترجمة للغة العربية بعنوان ''أوتار مشدودة''، بسرعة اشتريت نسختين من الكتابين لولعي الكبير بكل ما يتصل ببلاد ''دافينتشي، وبيراندللو، مونتالي''... ولسبب ما، لم يرد على خاطري مفردات ''مافيا ومكرونة''... وغيرها من تلك التي ارتبطت لدى الكثير من العرب بتعريف إيطاليا. وعلى هامش المعرض دردشت مع السيدة الألمانية المشرفة على النشاط، حينها أشارت بيديها إلى شخص كان يتجول بين اللوحات الفنية بخبرة فنان، قالت: هذا هو المصور الإيطالي كارمنيه كارتولانو، صاحب كتاب ''مصريانو''، الذي اشتريته. في البدء اعتقدت أن الكتاب نسخة مترجمة عن اللغة الإيطالية، لكن سرعان ما اكتشفت أن هذا الإيطالي ذو ''السكسوكة'' الطويلة، يعمل مترجماً أيضا من العربية إلى الإيطالية بجانب عمله كأستاذ للغة الإيطالية، وأنه من هؤلاء الأوربيين المسكونين بالثقافة العربية، والمقيمين بالقاهرة، ككافة عشاقها مسقطين كل خلفيات الاستشراق التي علقت بأذهان العرب. وعندما بدأت بإلتهام بعض صفحات الكتاب، آثرت أن أتوقف حتى لا تتوقف المواقف الطريفة والساخرة المكتوبة بلغة مصرية غارقة في عاميتها وخفة ظلها.. قلت هو ذا الكتاب الذي سيرافقني غداً في رحلة العودة نحو الجزائر، حيث الساعات الأربع المملة على سطح الغيم. على كرسي الطائرة عدت من جديد لصفحات ''مصريانو'' التي صنعت متعة فريدة لي، وأنستني وعثاء السفر، وفوبيا المناطق العالية التي غالباً ما تصيبني في مثل هذه الرحلات.. وبين صفحة وأخرى كنت أسمح لنفسي بالقهقهة الإجبارية، ثم أتحسس مرافقي المصري معتذرا، ومتعذرا.. وقبل أن نغادر أجواء ليبيا ولوجاً نحو تونس ثم الجزائر كنت قد فوجئت ب ''كارمنيه''، وهو يودعني بطريقته الفريدة، طارحا مجموعة من الأسئلة التي رافقتني في رحلة الصفحات: - لو مصر أم الدنيا مين أبوها؟ - لو كان في أب حيرجع امتى؟ - لو مصر أم الدنيا يا ترى اتجوز عليها؟ - ولو كان في أب، سابها ليه؟ لو عندك فكرة وعاوز ترد علياَ ابعت لي على الإيميل التالي... طريقة مبتكرة وفريدة ككافة صفحات ''مصريانو''.. في الواقع فكرت في مراسلة ''كارمنيه'' ليس للإجابة عن الأسئلة بل لطرح مزيد من الأسئلة، فالصحفي هو الكائن الذي يسمح لذاته دوما بطرح الأسئلة، دون أن يفكر في الإجابة عن أسئلة أخرى قد تطرح عليه في مسيرة عمله.. لذلك قررت أن أطلب ''كارمنيه'' على التلفون وخيالي سارح في الكثير من المواقف التي تضمنها الكتاب، وجسد تلك الإتصالات التي ترد على الكاتب، من أصدقائه وطلبته.. ولوهلة خشيت أن لا أجيد نطق الاسم صحيحاً، لذلك كان ذلك هو سؤالي الأول ل ''كارمنيه'': هل نطقت الاسم صحيحاً أم كأصدقائك المتعثرين، فبدأ الحوار ضاحكا وصاخبا .